الأنوار

بين الأسواق التجارية وساحات حرب المفرقعات والسينما

العيد فرحة للاطفال... وغصة عند الاهل

تحتمي ديانا من رصاص صديقتها واصدقائها الوهمي. ثم ينكشف موقعها. فترفع اصابعها العشرة وتخرج. تستسلم. ثم تركض وتحتمي خلف سيارة مركونة بجانب الرصيف. ثم تعاود الخروج مطلقة رصاصات مسدسها الوهمي باتجاههم صارخة: "انا ما بستسلم".

ذلك المشهد جزء من عرض متواصل يبدأ به الاطفال قبل العيد بأيام كثيرة، ويمتد الى ما وراء العيد،حاملا معه ساعاتهم الطويلة من المعارك الحية على قارعة الطريق، وذكريات عن ذلك العيد، ولهفة الى السنة المقبلة، التي ستحمل عيدا آخر وساعات أخرى، بعيداً عن الكتب المدرسية، ودفاتر الفروض المنزلية. 

ماذا يعني العيد؟

العيد في عيون هؤلاء الاطفال، الذين يحملون طهارة معناه، وجمال أصله، يساوي كما من الحلوى اللذيذة، التي تنتظر أضراسهم سنة لتعيد مضغها، وبضع أوراق نقدية للتسلح بالمفرقعات، الشبيهة بتلك التي يشاهدونها على شاشات التلفزة.

كما أنه فرصة للهروب من الجو الدراسي، ولاكتشاف ساحات أخرى ، كالحرب، وساحات الساعات الطويلة في اسواق الثياب، لاختيار ما يناسب الطفل.. وما يناسب الجيب.في هذا المعنى يتخذ العيد شكلا إستهلاكيا، ويبتعد عن معناه الاصلي. ابو عماد يعتبر العيد "يعني دفع مصاري"، هو صاحب متجر للسمانة، لكن العيد بالنسبة إليه "يعني ثيابا للاولاد وحلواً وألعاباً ومصروفاً ولحمة وعيدية وكل شي".

والعيد كذلك هو جولة صغيرة في شوارع، تحمل على ضفتيها متاجر لبيع الثياب، تكون اسواقا لها ، كشارع الحمرا، أو مار الياس، أو معوّض، كافية لاستنطاق العيد ومعانيه، وردم اصنامه وتهويلاته، تحت اسنان الحقيقة، الغارقة في وهم الزينة والاضواء الباهرة. فالعيد في هذه الشوارع ومثيلاتها ليس سوى مال يستهلك في شراء الثياب تارة، ودمعة في عيون طفل تارة أخرى، أو حسرة في قلب أم لم تستطع شراء كنزة أو بنطال لولدها. أحد اصحاب محلات الثياب يصرح بأن " البضاعة أنواع، في غالي وفي رخيص". كذلك يقول أصحاب محلات الحلويات. الثياب طبقات إذن. غالية ورخيصة، كذلك الحلويات. هناك الاصناف الغالية، والاخرى الرخيصة، وهناك المحلات "الثقيلة" والاخرى "الخفيفة" كما هناك "وزن الريشة" أي تلك التي تبيع بربع السعر. العيد ليس واحدا، العيد في هذا المعنى أعياد.

الاحتفال بالعيد

للعيد طقوسه. فهناك الـ"Luna Park" وهناك الكرنفالات والسينما، والحلويات والثياب والفرقيع وغيرها. وفي الشوارع، تلحظ العيد في كثير من الصور. بدءا من الاضواء التي تزينها، مرورا بالحسومات التي ترمي إلى جذب الزبائن، وصولا الى المفرقعات، التي إن غابت عن العين، لا تغيب عن الأذن.

منى، التي تسكن في منطقة "صفير" في الضاحية الجنوبية، تشكو من أصوات المفرقعات التي بدأت بإزعاجها في منتصف رمضان، أي قبل اسبوعين من اول ايام العيد. طلبت "الدرك" مرات عديدة، لكن الفاعل مجهول، أو "أهلية بمحلية، والله كبير" كما يقول الدركي كل مرة.

العيد هنا يتخذ معنى الإزعاج بالنسبة  إلى منى ولمثيلاتها. أما بالنسبة الى الاولاد، الذين "يفرقعون"، فالعيد هو مزيج من اللهو و "الشيطنة" والاستمتاع…و"الفرقيع" الذي لا يزال سيد العيد دون منازع. فلا يخلو شارع أو حارة أو بيت من ولد يلهو بصواريخ أو راجمات أو بمسدس أو قنابل و"ديوك"، ترسم وجها شرسا لهؤلاء الأطفال، الذين يبحثون عن رجولة ما، في وجوه مسدساتهم، تختلف عن الحلوى اللذيذة، التي تصبغ أفواههم وثيابهم.

"الفرقيع"هنا يرادف العيد، والعكس صحيح. أما بالنسبة الى سمير، فالعيد يساوي مصروفا كبيرا لشراء الثياب، والخروج في نزهات جماعية اذ تقفل الجامعة ابوابها.

"العيد هو فرحة الاولاد" يقول هلال، و"بفرح لأن الاولاد يغيرون جوا فيه"، و"أيضا لأنه يجمع العائلة " هكذا يصبح العيد ابتسامة على وجه طفل، او فرصة لجمع الاقارب والأصحاب، فيما الثياب تصبح "شغلة قديمة، بالنسبة إلى هلال، ذي الخمسة وعشرين عاماً "العيد فرقيع قوي، ما كان في منه على ايامنا بيخوف كمان"، يقول حسين، ابن العشرين ربيعا. اما علي، فـ"العيد مقبرة،لتزور شهيد" بالنسبة اليه!

ماذا بقي؟

العيد فقد رهجته و"همروجته". هذا ما أجمع عليه البالغون الذين سألناهم. لكنه لا يزال حلما في عيني طفل، ينتظر "بابا نويل" لتمنّي هدية، أو ينتظره ليحصل على "عيدية"، على مال استثنائي. وتبقى الشوارع المزينة لتفضح سخرية العيد، وما تحول اليه من بيع وشراء وهدايا. عادات أخرجت العيد من أسبابه، الى نتائجه. فهو الهدية الثمينة والحلوى الغالية أو الرخيصة، والثياب المكلفة واللحوم… هذا ما تبقى من العيد. مصروف كبير وحسرة في قلب البعض، ودمعة في عين البعض الآخر. هذا ما تبقى لكم من العيد. زينة في الشوارع التجارية، وحسومات في واجهات المحال، عرض وطلب، بيع وشراء. أخذ لا عطاء. مصروف لا توفير. وكثير من الفرقيع والإزعاج، وكل عام وانتم بخير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق