السفيرمقالات

عندما يصبح العيد هدية

إنّه 14 شباط. عيد الحب، وبأيّ حال عاد.
في ذاكرتي، يرادف العيد و"الفرقيع" وألواح الشوكولا اللذيذة، ومعركة رابحة مع الكتب المدرسية، وسوى ذلك لا يعنيني. هذا ما عاشته طفولتي وبعض من مراهقتي.
ثمّ بدأت أتعرف إلى العيد أكثر – أو أقل – فصار هناك أعياد "نا" وأعياد "هم"، ولم أجد أعياداً مشتركة وإنما وجدت أنّ االأعياد كلها تؤذن بانتهاء شيء ما.
فالأضحى يؤذن بانتهاء موسم الحج، والميلاد بإنتهاء بسنة ميلادية، والفطر بانتهاء الصوم، وعيد ميلادي احتفال بالتخلص من سنة أخرى.
لكن عيد الحب شيّبني. فهل هو احتفال بانتهاء الحب، أم بانتهاء اللاحب؟ فإن كان الاحتمال الأول، فالحب لم يبدأ. وإن كان الثاني، فـ 14 شباط يمر أكثر من مرة في العمر، واللاحب لا ينتهي.
كان أوّل احتكاك لي بعيد الحب إعلان "علكة" يصوّر شاباً وفتاة يعلكان أفواه بعضهما، فأغراني المشهد بشراء العلكة، ظنّاً من طفولتي أنّ "العالكة" تباع مع "المعلوكة". لكنني دفعت، وأخذت العلكة، وانتظرت، فقال البائع: "رجعتلك الباقي، شو بعد بدك". فخرجت حاملاً علكتي وبخعتي الأولى.
اليوم، وبعد ما تجاوز عدد بخعاتي العشرة آلاف وأكثر، قررت أن أبحث عن الحب، فإما أجده وإما اللاحب.
فتحت الصحيفة، فوجدت دبابة تلاعب فتى اختبأ وراء حجره، أقفلت وتوجهت نحو الشارع، راكباً سيارة أجرة تبخ المازوت كقنينة عطر عملاقة، وتوجهت نحو وسط بيروت، حيث افترضت أنني سأجد الحب في أسواق عتيقة، مليئة بالآثار البعيدة. نظرت أمامي، فرأيت مسجداً يستعد للنهوض وورائي كنيسة تنظر للطريق من أعلى، كأسطورة ارتفعت حتى طاولت السماء.
لا بد، أنّه الحب، قلت في نفسي، فالكنيسة والجامع يتقابلان بعد طول فراق، ذلك دليل على التفاهم الذي هو أساس الحب.
مشيت قليلاً صوب الأسواق، ثم اتجهت شرقاً نحو الحمرا. واجهات المحال مزدانة بالأحمر، كأنّ كل دماء الأرض واعتصمت بذلك الشارع، معلنة الحب على سيلانها. وإلا فلماذا "بليس" الأحمر، هذا الشارع في تلك المدينة في ذلك الوطن الأصفر؟.
رأيت شباناً وشابات يستعدون لفراق مبالغ، صدأت في جيوبهم منذ أشهر، منتظرة البائع ليدلها على الحب، والهدية لترشدها إلى المحبوب.
نظرت إلى أعلى قليلاً، فوجدت إعلاناً يقول: No Smint, No kiss أي أنني إذا لم آكل تلك الـ"بون بون"، فلن تسمح لي صديقتي بتقبيل فمها الكرزي. فخفت ودخلت أول محل واشتريت السلعة و "مش كل يوم عيد" كما يقولون.
أكملت المشي. نظرت إلى محفظتي النحيلة، فلم أجد سوى ورقة صفراء بلون وجهي، بلون الوطن، وبلون الشارع "الأحمر" الممتزج حماره بسواد النيّات.. والمازوت.
قلت في نفسي إنّها لن تقبل Smint فقط، وفمي لم يعد كافياً لجعلها تحبني. فم دون جيب، كخاتم دون إصبع.
ماذا أشتري؟ فالأصفر لا يشتري الأحمر، وصديقتي تريد هدية.
بحثت عن شيء أحمر، بسعر الأصفر، فلم أجد سوى وردة، قال صاحب المحل، أو البائع، إنّ ثمنها ورقة صفراء، أو ورقتان زهريتان، أو عشر زرقاوات. لا فرق. فقلت له إنني بحاجة لزرقاء من أجل اليوم الأسود، لكن آلته الحاسبة لم تفهم، فسلمت أمري لها مستعطفاً بأنني أريد أن أعود إلى أصفري لألامس الفم الأحمر، لا فائدة. أعطيته الورقة، ومشيت، ومشيت، إلى أين؟ لست أدري!
مشيت عشرات الأميال، فالأسود لا ينقل الأصفر بدون أزرق والأصفر لا يملك أزرق، والأحمر لا يرضى بغير الأحمر. إنّها الـ Smintاللعينة، سلبتني آخر أزرق وتركتني في صفارهم، بلا لون.
مشيت من شارع الحمراء نحو الضاحية، وعندما لاح شبح المنزل من بعيد. خفت. فهل سترضى بالأحمر الملوث بالأصفر.
وصلت، فتحت، "ينعاد علينا"، قلت. فنظرت إلى يدي المختبأة وراء جسدي وشدتها بغنج، فوجدت وردة فقط. "وين الكادو تبعي؟" قالت بخفر. فانساب ماء مالح من تجويف فوق خدي إلى حفرة تحت أنفي، ونظرت إلى الوردة. "هي هي؟" سألت، فهززت رأسي، وتخايلت ذنب حمار حدي يهز.
فرماني الأحمر بالأحمر، معلناً انتصار الأسود على جميع الألوان… ورحلت.. ولم تعد سوى في سواد الليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق