السفيرمقالات

"10.. 11.. 12 دقت الساعة بالليل"

حدث ذلك عشية انتخابات في الجامعة اللبنانية

تدور أحداث هذه الحادثة فعلاً في: كلية الإعلام أو كلية الآداب، أو كلية العلوم، أو كلية الحقوق، أو كلية الفنون، أو… أو.. أو… في الجامعة اللبنانية.

الساعة التاسعة وعشرين دقيقة ليلاً. يرن الهاتف. الرقم: لا رقم. (private number) .يرد صوت خشن، يتوعد ويهدد. يتذكر ذلك الفيلم البوليسي الذي شاهده منذ أسبوع. يقول له الصوت إن شعبيته البيضاء لن تنفعه في يومه الأسود، ولا الجهة السياسية التي يميل إليها. يسأل "مين حضرتك؟". محاولاً السيطرة على أعصابه. فيعلو الصوت الذي يتخيل صاحبه لابساً معطفاً أسود، ونظارتين سوداوين، يتلفت يمنة ويسرة، مشمشماً محيط "نحنا القوة الكبيرة ورح نضل هيك بالجامعة، وإذا ما بتفهم، رح ندمر لك حياتك". تمّت.
هذا ما حصل مع الطالب (فلان الفلاني) أثناء تمضيته سهرة (Valentine) مع صديقته في 14 شباط الماضي.
دقيقة مرت في حياة طالب تعبر عن المستوى الذي وصلت إليه الجامعة اللبنانية من تفسخ طالبي وتكتل استخباراتي خلال أعوام.
أبلغني صديقي الخبر خائفا حائرا، وقال أنه أوصل صديقته إلى منزلها وأسرع إلى بيته خوفاً من "هم".
اللذيذ في الموضوع أنّ هذا الطالب لا يميل إلى أية جهة سياسية لا علنا ولا ضمنا. لكنه، لسوء حظه، يحب الناس بطبيعته، ويحيط نفسه بالأصدقاء. لكن الأصدقاء في هذه الكلية مشكلة، وممارسة الصداقة عمل فاحش، أثبتت الأعراف الجامعية "فحاشته".
فأن يكون لديك أصدقاء، فمعناه أنك قد تترشح لانتخابات مجلس الفرع، طمعا بتمثيلهم. وأن تترشح، فذلك يحتمل وجهين: إما أن تترشح مع "هم"، وتكون صوتا ليوم واحد فقط. وإما ألا تترشح على لائحة قوى الأمر الواقع، وهذا يعني أنك تغرد خارج جميع الأسراب.
والألذ، أن ذلك الطالب، ولأسباب تقنية، لا يُسمح له لا بالترشح ولا بالانتخاب، أي أنه مشلول انتخابياً! (تحرّوا جيدا).
ولكن، لحكمة في عقول القيمين على أحوال الطلاب، الذين هم، بطبيعة الحال، أدرى بمصلحتهم ومصلحة الجامعة والوطن، يقرر بعض "القادة الطلابيين" أن ينصحوا هذا الطالب بالابتعاد عن مسرح المعركة، وذلك الطالب بأن "انتبه لحالك"، وذلك الطالب: "إذا بدك تنجح، بدك تجلّس".
لكن أن تترشح فذلك يعني أنك أعلنت العصيان المدني، وذلك يحتم الإستنفار العسكري، وتصبح حينئذ من المغضوب عليهم والضالين… آمين. وتلاحقك الرادارات أينما حللت، حتى ليصح فيك القول: "ما اجتمع مرشحان محتملان، إلا وكان الرادار ثالثهما". وتدار صوبك "كيوبيدات" الفتيات المدعومات، يداعبنك ويغرينك، في محاولات لتخدير نشاطك الانتخابي.
واستكمالا لسياسة الترغيب والترهيب، يمارس نشطاء وناشطات أعمالاً بوليسية على غرار ما وردته لنا السينما "الامبريالية"، فترى الشاب الوسيم يندس بين الفتيات اللواتي يشكلن ضعف أو ضعفي عدد الشباب، بحسب الجامعة (وذلك بسبب توفر أسواق العمل وانعدام بدعة الهجرة) مع أمر حزبي أو شخصي، بعدم إقامة علاقة عاطفية مع أية فتاة لئلا تحد من نشاطاته… الانتخابية.
لا بد أنهم يقرأون كثيرا. فمكسيم غوركي يقول أن الحياة العائلية تخفف من نشاط الرجل "الثوري".. لذلك (والكلام لغوركي) ينبغي أن يبقى الرجل "الثوري" أعزب، حتى (ينجح في الانتخابات). يستطيع أن يظل في "الطليعة"، "يكافح" من أجل (الانتخابات) الحياة.
هذا وذاك، عدا عن حرق الوجوه الجديدة والمستعملة، لتسهل قولبتها، وإلقاء الفتن، لاستمالة فريق واستعداء الآخر. فرق تسد، أو تدمر. لا فرق، ما دامت السيطرة محكمة، عدا عن الأدوار التي توزع جزافا على الطلاب، فالطالب (علتان العلتاني) مثلا، قيل أنه "حركة أمل"، ثم عادوا وقالوا أنه "قومي سوري"، ليستقر القول أخيراً على أنه "اشتراكي". ومن يدري؟ في الأيام القليلة المقبلة، سيقولون أنه شيوعي. ومع اشتداد وتيرة المعركة، سيقولون أنه عوني، ثم كتائبي، ثم، وحتى حانت ساعة الصفر، سيثبت، بالأدلة القاطعة، أنّ له ضلعا في أحداث 11 أيلول.
ولا ننسى المشهد المضحك للمرشح المدعوم. فعشية الانتخابات، يطور علاقاته بك بطريقة لافتة. وبدلا من "Hi" و "Bye"، يسألك عن حالك وأحوالك، ويقترب ويسألك عن أهلك وأشغالك، حتى لتظن أنه سيسألك إذا ما زالت رجلك تؤلمك. ولا شك في أنه سيدلكها حينئذ.
بالإضافة إلى ذلك، لدينا الطلاب – الموظفون. فهذا موظف في السنة الأولى، رسب أربعا أو ست دورات متتالية. وذاك موظف في السنة الثانية لأنه لا يريد(ون) أن ينجح، وهلمّ جرّا ومجروراً واجتراراً.
أما المستقلون، فتلك بدعة شيطانية. وحيلة قديمة. فأنت إما أحمر وإما أخضر، إما أسود وإما أبيض. وإما أم تطأطئ رأسك لـ"القادة"، وإلا فإن رأسك قد أينع وحان قطافه. ويا ويلك من قاطعي الرؤوس، "شي بروس وشي بلا روس".
الجامعة اللبنانية عشية الانتخابات، قبلها، وبعدها، نكتة تروي حال البلد، طلابا وأساتذة، فقراء و… مفقرين، مراقبين ومراقبين، قادة ومنقادين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق