الحياة

الإنترنت: هروب نحو الوهم

تدخل المقهى، يستقبلك جبل من الدخان المنبعث من السجائر، وإزعاج من التكتكات المتسارعة المتلاحقة التي لا تنتهي.
حوالي عشرين شخصاً، بين شاب وفتاة، يجلسون على كراسي جلدية سود، متلاصقة، ويحدقون إلى الأمام، بينما أصابعهم تنقر على الجهاز وتحدث تلك الجلبة المؤذية. لا أحد يتكلم، الأجساد متلاصقة، كما الأجهزة، هنا، في هذا المقهى، أما العقول، فغارقة في محيط من الأحرف والأسماء واللغات.
الأيادي تقود الأرواح والعقول نحو أمكنة مجهولة، من كندا إلى المغرب مروراً بالولايات المتحدة وصولاً إلى أفريقيا. لكن الأجساد تكتفي بالجلوس والإذعان لهذا الجهاز العبقري: الكمبيوتر.

لغات جديدة

اقترب من أحد الشبان لأسأله مع من يدردش. فيدخن بشراهة، ويطفئ سيجارته ويرفع يده في الهواء قائلاً: "أوووه، ما تعدّ، شي عشرة سوا". تستنتج أنّهن عشر فتيات. لكن الأسماء المستعارة أو الاسم اللقب يشير إلى غير ذلك.
يقول الشاب أنّه يمضي أكثر من ثلاث ساعات يوميا على هذا الجهاز على الشبكة، ليتحدث مع "أصدقائه" وليتعرف إلى أناس جدد، من مختلف أنحاء العالم.
أما عن اللغة، فيقول أنّه يستخدم الإنكليزية والفرنسية، لكن في معظم الأوقات، يستخدم اللغة العربية، مكتوبة بالحرف اللاتيني، ممزوجة بالفرنسية والإنكليزية المختصرة جداً، كأحرف THX لقول "شكراً".
علي، واحد من آلاف، له من العمر ست عشرة سنة. يتحدث مع فتاة في العشرين من عمرها. وقد أخذ الـE-mail الخاص بها، أي أنه استطاع انتزاع ثقتها والتحول معها نحو المرحلة الثانية، حيث يستطيع ترك رسائل لها، والتحدث معها حين لا تدخل إلى الشبكة الكبيرة. لكن علي الذي تعرفه "رشا" هو ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر اثنين وعشرين سنة، ويعمل في معمل للثياب، ويملك سيارة ب.ام، من النوع الجديد!!
وفي المقابل، الصراحة قد تكون لا نهائية أيضاً. فشاهين ابن العشرين سنة، يعمل في قسم التنظيفات في أحد المستشفيات، وصديقته التي يعرفها عبر الانترنت فقط، تعرف ذلك، بل يذهب في صراحته معها إلى حدود الاعتراف لها بأنه يحب ابنة عمه ويريد الزواج منها، لكنه يريد أن يتسلى!! بينما هي طالبة جامعية تريد تمضية بعض الوقت بعيداً من الدروس، على الأقل هذا ما قالته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق