البلد

سوبر ستار واحد لبلدان كثيرة؟

أثبت التلفزيون مرة أخرى، وبعد حوالي نصف قرن على ولادته، أنه لا يزال "فتوة" العصر وعصب الحياة العصرية بلا منازع، فيما تأتي بقية الوسائل الإعلامية والتكنولوجية في ذيل القائمة التي يترأسها، من راديو وصحافة مكتوبة وإنترنت.
وأثبت أنه قادر على تحقيق الأحلام، وتحويلها إلى حقائق رقمية ملموسة، لا فقط صناعتها و تسليمها والتلويح بها.
فقد تسلل برنامج "سوبر ستار" عبر تلفزيون المستقبل، من صفحات الجرائد الداخلية، إلى الصفحات الأولى، بعد أن تدرّج إلى القمة في هرم الأولويات الشعبية في العالم العربي، وأصبح شغل الصحافة الشاغل، وجمع العرب من عمر 8 سنوات إلى 80 سنة على ما يقول عضو اللجنة التحكيمية الياس الرحباني. وأجبر سكان هذه البقعة من العالم، من المحيط إلى الخليج، على الجلوس أمام شاشاتهم الصغيرة أكثر مما دفعتهم الحرب التي شنّتها الجيوش الغربية على فتات العراق، وأكثر مما استرعت انتباههم.
هنا تكمن المفارقة، التي هي واحدة من عشرات المفارقات التي رافقت هذا البرنامج ونتجت عنه بشكل جارح.
إذ أصّر صانعو البرنامج، ومعدوّه والمشاركون فيه، على أنّه أعاد اللحمة إلى الوطن العربي الممزّق، وأعاد جمع فتاتهم ولحم شرذماتهم، في حكم سطحي ذي طابع تعميمي أكثر منه علمي وعملي ومحسوس.
ويأتي ذلك الحكم من خلفية ليست بعيدة في الزمان، ولا في المكان، هي "الحلم العربي"، الأغنية التي شارك بها عشرات الفنانين العرب، والتي جمعت مليون عربي من ساحة الشهداء في وسط بيروت التجاري، والتي أوحت للجميع، اَنذاك، بأنّ الوحدة العربية لا تزال تنبض، وبأنّها على بعد خطوتين من ذلك اللحن الرومانسي، الذي أعادنا إلى ذلك الزمن الجميل، الغابر، يوم غنّت صباح مع فايزة أحمد، ونجاة الصغيرة، والعندليب الأسمر عبد الحليم الحافظ، وغيرهم من نجوم ذلك الزمن وكواكبه، تلك الأغنية التي ألهبت الجماهير حينذاك.
ذلك الحكم المسبق بأنّ البرنامج قد وحّد العرب وضع نفسه أمام سؤالين. الأول هو: إذا كان البرنامج قد وحّد الكثيرين، فلماذا جاءت نسبة التصويت لرويدا السورية، 97 في المئة من سوريا. ونسبة التصويت لديانا الأردنية، 84 في المئة من الأردن. ونسبة التصويت لملحم اللبناني، 79 في المئة من لبنان؟ أليست هذه النسب خير دليل على عمق التشرذم، الذي عجز حتى الفن عن تحييده؟
الاختبار الثاني هو: هل باتت الخلافات العربية-العربية، والأحقاد المتوارثة، من القوة والعنف والكِبَر والهشاشة في الوقت نفسه بحيث عجزت خمسون سنة من النضال والكفاح والجهاد والقتال، عن توحيد العرب، ليأتي برنامج تلفزيوني، على نجاحه وجماله وإبداعه، ويوّحدهم ساعات قليلة أسبوعياً، ليست كافية لجعلهم يحفظون مواقع البلدان الشقيقة جغرافياً، إذا ما حاولوا توظيفها في ذلك المنحى، وليعيد تشتيتهم في لحظات، كما وحدّهم في لحظات وللحظات.
أما ردّة الفعل "العربية" التي شملت لبنان والإمارات والكويت، فمتمثلة بخروج عفوي وكبير لمئات الغاضبين من الخروج الطارئ لملحم زين، فقالت أكثر ما قالت، إنّ الساحة الغنائية في العالم العربي قد ملّت مطربي الصالونات والمقاهي والملاهي، وأشتاقت إلى ذلك الحنين المجبول بأحلام القرويين، الذي أوصل ملحم زين، في أشهر معدودة إلى الشهرة، و حوّل ذلك الفتى القروي من شاب يملأه الطموح، لابساً قميصاً وبنطالاً من"عامّة" الثياب، إلى فنان تتهافت عليه عقود العمل وعروض الأفلام السينمائية، كما في الأفلام العربية المبالغ في في حبكاتها الضعيفة.
لكن ردة الفعل هذه لم تقل إن الوحدة العربية، التي خرجت من الثقافة الصوتية في شعر الجاهليين، ستعود إلى التوحّد عبر أصوات شباب القرن العشرين، بل قالت إن التلفزيون قويّ، وإنّه قادر على صنع المعجزات، أو على اكتشافها، أو الايحاء بوجودها على أقل تقدير، إن لم يكن خلقها.
"سوبر ستار" سرق من السياسة بريقها، وجعل الناس، الذين ملّوا السياسيين والسياسة، ينجرون خلف الموسيقى. لكن ذلك ليس باعثاً على الأمل، لأن الشعب الذي لا توقظه الملاّلة والأباتشي، ويوقظه الغناء جدير بإبداء التعجب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق