البلد

الشريف والشميطلّي والتنّير: ثلاث عائلات بيروتية تستقبل الحزن بدلا من استقبال السنة الجديدة

لم تكن بيروت تعرف أنها ستفقد ثلاثة من شبابها في تلك الحادثة، حين صعق خبر تحطُم طائرة في كوتونو جميع اللبنانيين.

كان أهالي الضحايا وعائلاتهم ينتظرونهم لقضاء القليل من الوقت معهم قبل أن يعودوا إلى أشغالهم في أفريقيا، تلك القارّة التي تحمل تاريخاً طويلاً من الماَسي مع اللبنانيين.

شميطلّي

خالد شميطلّي كان ينوي أن يأتي إلى لبنان بعد عطلة رأس السنة، في السابع من كانون الثاني المقبل، على ما قال لنا أحد أقربائه، الذي أضاف أنّه كان "اَخر من صعد إلى الطائرة، إذ جاء متأخراً لأنّه لم يكن قد عقد العزم على السفر حتى اللحظات الأخيرة".

لكن "الموت قضاء ولا اعتراض على قضاء الله "، قال لنا والده في اللحظات القليلة التي كان يتوقف فيها عن البكاء، ليعود إلى نواحه: "إجى خالد وراح خالد، كأنه لا إجى ولا راح".

في منزل اَل شميطلّي كان الحزن طاغياً أكثر من بقية البيوت الثلاثة التي زرناها، في رحلة البحث عن الحزن التي قمنا بها في بيروت.

الفاجعة كانت ماثلة في عيون والد خالد ووالدته وفي تقاسيم وجوه بقية أقربائهم، الذين غصّ بهم المنزل الواقع على أطراف منطقة قصقص. صوت الاَيات القراَنية هو الذي استقبلنا على باب المنزل، لتستقبلنا بعد ذلك أصوات النواح والبكاء، الاَتية من الجهتين، جهة الصالون الأول الذي يعج بالرجال وجهة الصالون الثاني المليء بالنساء. خالد، الذي قتل في حادثة تحطم الطائرة، يبلغ من العمر 31 سنة، متزوج وله ولدان ويعمل في مكتب سفريات من حوالي خمس سنوات. هذا المكتب يتعامل مع هذه الطائرة، التي قال لنا أحد أقرباء خالد أنها أنهت خدمتها في إحدى شركات الطيران الأوروبية منذ حوالي خمسة أشهر، ليشتريها صاحبها الحالي و يقوم بتشغيلها "شارتر" أي مثل تاكسي بين الدول.

"ما فيي إتحمل يا خالد، كيف بدي عيش يا خالد"، كان ذلك اَخر ما سمعناه من سيدة عجوز بدا أنّها أمه، قبل أن يغمى عليها متألمة من وجع ذراعها اليسرى، وقبل أن نغادر المنزل حاملين الحزن علامة على دخولنا إيّاه.

التنير

محمد التنّير خال الشاب خالد الشميطلّي. متزوج، يبلغ من العمر 45 سنة ويتاجر بالسيارات في كوتونو منذ حوالي خمس سنوات. كوتونو التي تحولت منذ بضع سنوات إلى محطة ترانزيت لتجارة السيارات بين أوروبا وأفريقيا. له ثلاثة أولاد، وجدير بالذكر أنّ أخيه كان سيأتي معه على الطائرة نفسها، لكنه عدل عن رأيه في اللحظة الأخيرة، ليسلم من هذه الكارثة التي حلّت بلبنان واللبنانيين. عائلة محمد رفضت استقبالنا، فتلقينا الرفض دون انزعاج، لأنّ المنزل كان بحالة يرثى لها. صراخ ونواح وبكاء وغيرها من أفعال الحزن، التي لا تعبّر عن الحالة الحقيقية التي يمكن أن تصيب من فقد غالياً بين ليلة وضحاها.

الشريف

أما اَل الشريف فقد كانوا غارقين في ذهولهم .ذلك الذهول الذي بدا أنه منعهم من الحزن. هم الذين لم يتأكدوا حتى الساعة إذا ما كان زياد، أخوهم على الطائرة أم لا.

"نحن متأكدون بنسبة 99 في المئة من أنه كان على الطائرة، لكننا ننتظر معجزة إلهية، لأننا لم نتبلغ رسمياً موته حتى الاَن"، قال لنا أخوه إبراهيم الذي بدا أكبر إخوته. هم الذين استقبلونا بترحاب شاكين، من تأخّر الدولة بالإعلان عن أسماء الناجين وعن أسماء الضحايا "بشكل رسمي"، على ما قال لنا أخوه خليل، واحد من إخوته الستة.

زياد متزوج وله ثلاثة أولاد. يعمل كهربائياً في شركة لبنانية قال لنا إبن أخيه، ويقيم في كترمايا إقليم الخروب. ذهب إلى مونروفيا منذ 25 يوماً فقط، وليس إلى كوتونو، مثل الكثير من اللبنانيين الذين كانوا اَتين من مدن أخرى و توقفوا في كوتونو لنقل المزيد من الركاب. ذهب في مهمة قصيرة لا تتعدّى الشهر، لكنه أنهى عمل سريعاً، فبحث عن عمل هناك، وعندما وجد وظيفة اتصل بإخوته وزوجته ليطمئنهم وليقول لهم أنه اَت ليقضي معهم عطلة رأس السنة، قبل أن يعود ثانية إلى مونروفيا ليستلم عمله الجديد.

لكن الموت خطفه قبل أن يصل إلى لبنان ليقضي حتفه كما العشرات من اللبنانيين.

إخوة زياد شكوا من تأخّر الإعلان الرسمي عن الأموات والناجين. "يلهون بالتشريفات الرسمية"، قال لنا أخوه جمال.

الحزن لفّ لبنان البارحة.الكارثة شملت مئات العائلات اللبنانية القريبة من المتوفين. كانت بيروت حزينة مثل الكثير من المناطق اللبنانية التي لن تحتفل بالعيد هذه السنة كما في السنوات الماضية. عيد الميلاد كان أسود هذه السنة، كذلك سيكون عيد رأس السنة الميلادية. البسمة ستغيب عن وجوه المئات من العائلات اللبنانية التي ستكون في استقبال جثث ضحايا هذه المجزرة، بدلاً من اسقبال السنة الجديدة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق