مختارمقالات

وسيلة السلطة تبرّر غاية المقاومة

سؤال الغاية والوسيلة أبديّ. مخترع علم الثعلبة السياسية ميكيافيللي قال إنّ الغاية تبرّر الوسيلة. في لبنان ثمّة مبدعون أكثر منه سيتذكّرهم التاريخ البشري والعسكري، إخترعوا معادلة جديدة: الوسيلة تبرّر الغاية.
نعم. بدأ الأمر حين أطلقت معادلة "السلاح لحماية السلاح"، ومفردات "قطع اليد" وما شابهها. كان الأمر غريبا لكنّه لم يكن مستحيل الفهم. اليوم، ومع إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله أنّ آصف شوكت وداوود راجحة وحسن توركماني، أركان الجيش السوري، هم "قادة شهداء كبار"، تغيّر الأمر. هم الذين قتلوا بتفجير اجتماع الحكومة الأمنية المصغّرة في سوريا.
فورا بدأ ناشطو الحزب على الشبكات الإجتماعية بنشر صور جمعت، بالفوتوشوب، عماد مغنية وراغب حرب وعباس الموسوي بهؤلاء الثلاثة. كانت حجة نصر الله في تطويبهم "شهداء" أنّهم شاركوا في دعم المقاومتين الإسلاميتين، في لبنان وفلسطين.
نصر الله نفسه الذي كان مصرًّا، طوال 17 شهرا من عمر الثورة السورية، على أنّه إمّا "ما في شي بحمص"، أو على تجاهل المجازر التي نفّذها "الشهداء الكبار".
نسأل نصر الله: هل كلّ من شارك في دعم المقاومة يحقّ له أن يخرج على القوانين الدينية والأخلاقية والشرعية؟ وهل إذا خرج يكون "حلالا" الوقوف إلى جانبه لأنّه دعم المقاومة ذات مرّة؟
إذا كان الأمر كذلك بعض القياديين في "حزب الله"، ممن ثبت تورّطهم في العمالة لـC.I.A. أو لإسرائيل، ألا يعتبرون "قادة كبارا"؟ وإذا اعدموا ألا يصيرون "شهداء كبارا"؟
لما لا؟ ألم يدعموا المقاومة؟ إذا دعم أحدهم المقاومة يصير في إمكانه أن يقتل شعبه؟ يصير مسموحا له أن يقتل، ولو شخصا واحدا، من دون حساب؟ فكيف بأكثر من 20 ألف مدنيّ؟ إن كان بعضهم مسلّحين.
المقاومة، كما أفهمها، ردّة فعل ضدّ الظلم والإحتلال والقهر. كيف لها أن تقف مع الحاكم – الظالم بالحدّ الأدنى، والمجرم المعتوه في الحدّ الأقصى – صدّ المحكوم – القتيل – المهجّر؟
لا أنسى الرجل المياوم في شركة الكهرباء، الذي سألته مراسلة "الجديد" عن علاقته بالمقاومة، فقال: نقف مع الأحزاب طوال العمر وحين نحتاجها لا نجدها.
هذا الرجل لا يريد المقاومة، بل يريد راتبه، وتحسين شروط عمله، ومكيّقا حديثا، والتيار الكهربائي لتشغيل المكيّف، وقدرة على شراء طعا جيّد وبناء أسرة عادية… السيد حسن أعطاه في خطابه الأخير معنويات أكثر مما يتحمّل، لكنّه لم يحلّ له مشكلة واحدة.
لي صديق سوري لم أره من سنوات، يكذب كثيرا ويتخلف عن مواعيدنا. حين علمت أن منزل عائلته قي حمص دمر بالكامل، أول ما خطر لي أنه بات يشبهني، ببيت جدّي جنوب لبنان، المهدوم 3 مرات على أسنان القصف الإسرائيلي. فقلت له: الله يهدك يا إسرائيل.
لم يخطر لي سوى أنّ "القادة الشهداء" هدموا بيته، الذي هدمت إسرائيل معادله في حياتي. إسرائيل التي من خلال معاداتها بات القتلى السوريين قادة مقاومين "شهداء".
لكن ما داموا قد ساعدو "حماس" و"حزب الله" فلا بأس. لأنّ الوسيلة، التي هي إحكام السيطرة على الداخل، سياسيا وأمنيا، ومنع الصوت الآخر وخنقه وتقطيع حنجرته حتّى، هذه الوسيلة أهمّ من الغاية، التي هي "تحرير فلسطين" في تجلّياتها الأبهى. المقاومة تصير هي الغاية. كما في "الفنّ من أجل الفنّ"، و"السلاح لحماية السلاح". الوسيلة صارت هي الأساس، والغاية، تحرير الأرض وفلسطين، تستعملان للسيطرة على الداخل والمواطنين بـالوسيلة".
لصديقي الحمصي الذي صار بلا أرض وبذكريات بيت مهدوم، كما ملايين اللبنانين في الحرب الأهلية، له أقول، معتذرا على كلام السيد حسن، الذي بجّل من هدموا بيته وهدمهم التاريخ، له أقول: وان ما سهرنا ببيروت… منسهر بالشام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق