مختارمقالات

خطوط تماس مذهبية جديدة: من عرمون إلى الناعمة

حين رسوت على السكن في عرمون قبل ثلاث سنوات، كان في بالي أنّها منطقة محايدة. بعدها عاشت المنطقة خطا مذهبيا تصاعديا. بدأ حزب الله يعلن حضوره أكثر فأكثر وبدأ أهل خلدة والناعمة يتصرّفون مع مدخل بيروت الجنوبي على أنّه "مكمش" على "حزب الله".

فإذا قطع "الأهالي الشيعة" طريق المطار يقطع "الأهالي السنّة" طريق الجنوب. ثمّ تطوّر الأمر: في الآحاد عشرات الدراجات النارية تستعرض قدرتها على إقفال الطريق جزئيا، أمام عشرات آلاف العائدين من الجنوب.

صار المدخل الجنوبي لبيروت متنفّسا لـ"الغضب السنّي" بعدما "سقطت بيروت" في 7 أيّار 2008. وها هو "حزب الله" يبني تجمّعات سكنية لخلق توازن رعب. والمنطقة "تمذهبت" إلى غير رجعة.

 

حين رسوت على السكن في عرمون، قبل ثلاث سنوات، كان في بالي أنّها منطقة محايدة. كان القرار بالإبتعاد عن الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث يسكن أهلي وأقربائي، لأنّ الضاحية معرّضة، باستمرار، للقصف في أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان.

عرمون كانت منطقة محايدة. أراض درزية يبني عليها مقاولون دروز وشيعة وسنّة، ويسكنها متنوّعون من المذاهب الثلاثة، وأقليّة مسيحية. وبالتالي لم يكن يخطر على بالي أنّها قد تشهد خطوط تماس، لأنّ السكان، المتنوعين، هم أفراد تركوا عشائرهم وجاؤوا إلى هنا فرادى، وليسوا متكوّمين في أحياء صافية كما في الضاحية أو في الطريق الجديدة أو في أيّ منطقة صافية مذهبيا ببيروت.

حتى في 7 أيّار 2008 فرص "حزب الله" سيطرته على المنطقة نسبيا، في سياق "حرب الجبل 2008"، لكن لم يكن هناك اشتباك بالمعنى الحقيقي. ونتيجة تلك الحرب كانت شبه تعادل نسبيّ.

لكن في السنوات الثلاثة الأخيرة عاشت المنطقة خطا مذهبيا تصاعديا. في البداية بدأت الخلافات المذهبية تظهر على الجدران: "يا عمر" في هذا الشارع، و"السلاح باقٍ" في ذلك الشارع.

بعدها بدأ الحزب يعلن حضوره أكثر فأكثر بخيم عاشورائية هنا أو تجمّعات حزبية هناك. في المقابل بدأ أهل خلدة، ونظراؤهم، وصولا حتى منطقة الناعمة، يتصرّفون مع مدخل بيروت الجنوبي، الذي يشرفون عليه، على أنّه "مكمش" على "حزب الله".

صار قطع طريق المطار من قبل "الأهالي الشيعة" يردّ عليه "أهالٍ سنّة" بقطع طريق الجنوب. لم يؤلم أحد قطع طريق المصنع من قبل أهالي مجدل عنجر بقاعًا. لكنّ قطع طريق الجنوب كان مؤلما. إستلهم التجربة في صيدا الشيخ أحمد الأسير. لكنّه لم يجرؤ على قطعها كليا. وحدهم أهالي خلدة والناعمة، من المذهب السنّي، تجرّأوا.

ضبط العائدون من الجنوب أعصابهم طويلا. سقط جرحى في بعض الأحيان. مؤخرا تطوّر الأمر. أمس الأحد (28 تشرين الأول 2012) تطوّر الأمر أكثر. عشرات الدراجات النارية تستعرض قدرتها على إقفال الطريق جزئيا، أمام عشرات آلاف العائدين من الجنوب.

يتجمّع الغاضبون – المحبطون – المذهبيون، مالكو الدراجات النارية منهم تحديدا، ويروحون يصطفون أمام السيارات العائدة من الجنوب، في صفوف تبطىء السير من الناعمة إلى خلدة. كما لو أنّهم يستعيضون عن قطع الطريق، في أوقات الهدنات، بنصف قطع.

هذا بعدما صارت بيروت في قبضة "حزب الله" عسكريا وأمنيا ونفسيا ومعنويا، وهو ما جرى الإعلان عنه في الإشتباك مع مناصري الأسير خلال عودتهم من تجمّعهم الأخير في وسط بيروت.

صار المدخل الجنوبي لبيروت، بما يحويه من تجمّعات سكّانية ذات أكثرية سنّية، في خلدة وعرمون، وصولا حتى الناعمة، صار متنفّسا لـ"الغضب السنّي".

يدور الهمس عن أنّ "حزب الله" بنى لسكّان شيعة، أغلب الظنّ أنّهم من محازبيه ومناصريه، تجمّعات أبنية تشرف على المدخل الجنوبي، في خلدة، في أكثر من مكان، لخلق توازن جادّ في الميزان المختلّ لصالح "غضب الأهالي" هناك.

من عرمون إلى الناعمة خطّ تماس جديد. كما لو أنّ لبنان كلّه يتفتفت خطوطا مذهبية جديدة، فإلى أين المفرّ؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق