مختارمقالات

ربيع العبوة.. بدل الإنتحاري: الإستشهادي وقد أحبّ الحياة

إذا صحّ الخبر عن أنّ تفجير الحافلة الإسرائيلية في تل أبيب سببه عبوة وليس جسدا مزنّرا، فإنّ هذا سيعدّ تحولا كبيرا في تاريخ القضية الفلسطينية. تفجير العدوّ من دون الإنتحار، أو الإستشهاد، سيكون نقلة نوعية تاريخية في حركة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي نوعية هذا الصراع وأسسه النفسية والإجتماعية والدينية والمعنوية.

أسئلة أخرى تحضرني حين أسمع عن إنتحاريين فجّروا أنفسهم لسبب سياسي أو ديني: ألا يجب أن نبحث عن طريقة أخرى لنعيش أفضل؟ لماذا نسأل دائما: كيف نموت؟ ولا نسأل: كيف نعيش؟ هذا السؤال وجدت له جوابا حين سمعت أنّ تفجير الحافلة قد يكون عن طريق عبوة وليس عبر تفخيخ جسد مليء بالأحلام والآلام والمستقبل والماضي والأمور العالقة والمحبّين والمشكلات والحلول…

اليوم شعرت أنّ فلسطين بدأت تكتشف حبّها للحياة. وأعتقد أنّ حبّ الحياة مقدّمة للحياة نفسها، وللعيش، ولإقناع الكوكب بأنّ على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، ومن يستحقّون الحياة، ومن يعرفون أنّهم يستحقّون الحياة.

 

إذا صحّ الخبر عن أنّ تفجير الحافلة الإسرائيلية في تل أبيب سببه عبوة وليس جسدا مزنّرا، فإنّ هذا سيعدّ تحولا كبيرا في تاريخ القضية الفلسطينية. تفجير العدوّ من دون الإنتحار، أو الإستشهاد، سيكون نقلة نوعية تاريخية في حركة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي نوعية هذا الصراع وأسسه النفسية والإجتماعية والدينية والمعنوية.

لا أعرف لماذا تذكّرت هنا الإستشهاد الأخير في تاريخ "حزب الله"، علي أشمر، الذي فجّر جسده بدورية إسرائيلية في آذار 1996، وكان ذلك على مدخل قريتي الجنوبية ربثلاثين. كلّما مررت من هناك أتذكّر صوره على تلفزيون المنار، يتحدّث عن أحلامه بتحرير الجنوب. في الفيلم الموثّق قبل العملية كان يلبس بيجامة، حزينا ويتحدّث عن الأرض والأحلام والتحرير. كان يبدو حزينا، لكن يتحدّث عن النصر الآتي وعن الفرح بالإستشهاد، واقتبس عبارة من الخميني تقول: "الله أنعم علينا بإسرائيل لنستشهد ويجب أن نشكره لأنّه لولا وجودها لحرمنا نعمة الشهادة".

كان الفيلم حزبيا حربيا عاطفيا عقائديا، لكنّني رحت أفكّر: أليس الإستشهاد انتحارا؟ أليس كلّ منتحر يعاني من مشكلات نفسية؟ وأجيب: الأرض المحتلّة تسبّب مشكلات نفسية. كلّ مظلوم يعاني نفسيا وإجتماعيا ودينيا. وأسأل: ألا يمكن أن يكون لديه هموم أخرى ساهمت في دفعه إلى قرار الإستشهاد إنتحارا؟ وأجيب: كيف يكون عاديّا من يشعر بالقهر ولا يجد حلا لمشكلته غير الموت، إما للهرب، أو في سبيل القضية التي يؤمن بها.

الإسرائيليون، سياسيين وإعلاميين وعسكرا، يقولون للعالم، بصور "الهلع" التي سخر منها العالم الفايسبوكي والتويتري العربي، يقولون: أنظروا كيف يخيفنا الهمج العرب بصواريخهم. ونحن نفرح ونعطيهم صور ملثّمين يطلقون الصواريخ، أو أشلاء أطفالنا. والغرب حسّاس اتجاه الخوف أكثر من حساسيته اتجاه القتلى. أليس الأجدى إعطائهم صور "الهلع" لدينا بدلا من بيعهم أشلائنا، ولا من يشتري؟

أسئلة أخرى تحضرني حين أسمع عن إنتحاريين فجّروا أنفسهم لسبب سياسي أو ديني: الإسرائيليون يسعون إلى "صفر خسائر"، كذلك الأميركيون في حروبهم العابرة للقارّات، فلماذا يستسهل بعضنا قتل نفسه في سبيل قتل الآخرين؟ أليس الهدف من السياسة والحرب البقاء على قيد الحياة؟ أليس البقاء للأقوى؟ وأجيب: البعض يرون في الموت حياة في غير هذه الدنيا وحياة أكثر عزّة وكرامة لأهلهم ولأحبابهم. لكن أسأل مرّة أخرى: ألا يجب أن نبحث عن طريقة أخرى لنعيش أفضل؟ لماذا نسأل دائما: كيف نموت؟ ولا نسأل: كيف نعيش؟

هذا السؤال وجدت له جوابا حين سمعت أنّ تفجير الحافلة قد يكون عن طريق عبوة وليس عبر تفخيخ جسد مليء بالأحلام والآلام والمستقبل والماضي والأمور العالقة والمحبّين والمشكلات والحلول. فأن ينتقل الجهاديون الفلسطينيون من تفجير أنفسهم إلى تفخيخ عبوات أو سيارات ليبقوا على قيد الحياة، فهذا مبشّر. أما قتل المدنيين فهذا نقاش آخر يبدأ بمحاسبة إسرائيل قبل محاسبة القتلى الفلسطينيين.

اليوم شعرت أنّ فلسطين بدأت تكتشف حبّها للحياة. وأعتقد أنّ حبّ الحياة مقدّمة للحياة نفسها، وللعيش، ولإقناع الكوكب بأنّ على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، ومن يستحقّون الحياة، ومن يعرفون أنّهم يستحقّون الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق