مختارمقالات

عن المشترك بين غسّان جواد وخالد مشعل ووليد جنبلاط

الممانعة توزّع شهادات الوطنيّة وفق معايير قاسية. خالد مشعل اتُّهِمَ بالعمالة حين كان قادة حركته "حماس" تغتالهم إسرائيل في غزّة. هو أحد 3 فقط أطلقوا الصواريخ على إسرائيل: مشعل والسيد حسن نصر الله وصدّام حسين. غسّان جواد كان عميلاً، وحين صار حسينياًّ يرى نصر الله "قمر بني هاشم" بات فتى الممانعة المدلّل، مع مرافقين وحظوة على ممانعين عتيقين حتّى. ووليد جنبلاط لديه "شهادة وطنيّة" تؤخذ منه حين يصير "رجل الغدر" ويستعيدها حين يتذكّر "اللغة الخشبيّة"… وسأخبركم القواسم المشتركة بين الثلاثة.

 

لا تكمن صفاقة بعض الممانعين في أنّهم يدعمون بشار الأسد ضدّ الثورة المدنية السورية، رغم تحوّلها إلى كفاح مسلّح لاحقا. لا تكمن أيضا في أنّهم يوالون "الشيطان الأكبر" في العراق، وفي أفغانستان، ضدّ "طالبان" وصدّام حسين، ويعارضونه في لبنان وجنوبه فقط. لا تكمن تلك الصفاقة في البراغماتية الميكيافيللة الخالية من أيّ "عقيدة". الصفاقة الممانعاتية تكمن، أكثر ما تكمن، في أنّ الممانعين هؤلاء، في لحظة واحدة، يمكن أن يقلبوا العميل خائنا، والخائن عميلا، بحسب درجة خنوعه لإملاءاتهم.

سأقدّم للقرّاء 3 أمثلة سريعة ومتفاوتة ومتباعدة لنفهم هذا العقل الذي يمكن تحليله في رواية جورج أورويل 1984. الأوّل هو وليد جنبلاط، "رجل الغدر" كمّا سمّاه الممانعون يوماً، ثمّ استقبلوه في الضاحية الجنوبيّة وتحالفوا معه ليصير "زعيماً وطنيا"، ثم "غدّارا" ثم وطنيا… جنبلاط هو دليل واضح على أنّ نسبة الوطنيّة في دماء كلّ لبناني، وعربيّ استطراداً، تتحدّد في مدى قبول هذا الفرد، أو الحزب أو المجموعة، بشروط من يحملون معيار الفحص الوطني.

سريعاً سننتقل إلى مثال آخر: غسان جواد. الشاب الذي كان "نائب عقاب صقر"، في الحزب السريع الذي أسّسه ذات يوم بين الطيونة والبقاع. كاتب هذه السطور صديقٌ لجواد ولعقاب. وجواد حضر احتفالاتٍ لهذا الحزب في أكثر من مكان، أحدها في فندق "الموفنبيك" على بحر الروشة البيروتي. يومها كان جواد عريف الحفل المفوّه، مقلّداً علي عباس، الشاعر الذي يقدّم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله قبل خطاباته. قال كلاماً لا يُنسى في عقاب، وفي ضيوف حزبه. وكان عميلاً وخائناً يُتَّهَم بالأسرلة في قريته وحارته وبين أهله.

فجأة "عركها" غسّان مع عقاب، وانتقل من "ثورة الأرز" إلى "محور المقاومة والممانعة". إنقلب على 14 آذار وصار أحد أبرز الصقور المدافعين عن "حزب الله" وسوريا على الشاشات اللبنانيّة والعربيّة. حتّى أنّه صار يشاطر صور السيد نصر الله على الفايسبوك ويكتب تحتها: قمر بني هاشم"، وصار من الحسينيّين الصارمين في الأيام العاشورائيّة. هذا ما يجب أن يكون عليه "التائب".

وقد سبق غسّان الزميل (والصديق العزيز) فيصل عبد الساتر إلى "شاشة المنار". الشاشة التي عجز صديق عبد الساتر عن الظهور عليها رغم تاريخه "المقاوم" و"الممانع" الذي لا تشوبه شائبة. يطلّ عبد الساتر من أثير "إذاعة النور"، لكن ليس على "المنار".

بسرعة البرق شوهِد غسّان قبل أسبوعين في عرض فنّي ثقافيّ بشارع الحمرا مع مرافقين بالقمصان السوداء. من تحت ظلال زيزفون عقاب، إلى أعلى هرم المحلّلين السياسيّين، وحصل على تمويلٍ لإنشاء جريدة إلكترونيّة ستخرج إلى النور خلال ساعات. وبات يوزّع شهادات الوطنيّة على الفايسبوك.

المثال الثالث هو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس". الرجل الذي انتقل من العاصمة السوريّة، تحت ظلال زيزفون بشّار الأسد، إلى الخليج، ومنه إلى قطاع غزّة، بسبب موقفه الداعم للثورة السوريّة والمعارض للحلّ الأمني الذي اعتمده نظام الأسد.

لنتذكّر أنّ الذين أطلقوا صواريخ جدّية على إسرائيل هم ثلاثة في التاريخ: بالطبع السيد نصر الله، وهو أكثرهم جدّية. وصدّام حسين، الذي وافقت إيران على إسقاطه بالقوّة العسكرية، في تحالف غير معلن مع الحلف الغازي. وخالد مشعل، وهو الذي كان يُتّهم بالعمالة والخيانة حتّى قبل أن يتوقّف القصف الإسرائيلي واغتيال كوادر حركته المقاوِمة بغزّة.

مشعل في الشام الأسديّة مقاوِم، لكن في غزّة "المنتصِرَة" هو عميلٌ لإسرائيل. ما الذي تغيّر؟ هل توقّف عن معاداة إسرائيل؟ هل استسلم لها في غزّة؟ كلا. فقط غيّر موقفه من الأسد ومن محور الممانعة. لكنّ الممانعة، أو إيران استطرادا، لا تقبل بالتقاسم. لا تقبل بحصة في "حماس": إما كلّها أو تخوّنها.

البعض صوّب على مشعل من زاوية أنّ الإسرائيليين منعوا رمضان شلح، القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، من دخول غزّة حين دخلها مشعل. حتى إسرائيل حين تلعب هذه اللعبة، تتناغم "الممانعة" معها. فإسرائيل تدرك جيّداً أنّ جمهور الممانعة وقادتها سيقعون في فخّ الفرز والفتنة الذي تلعب إسرائيل على وتره.

رغم الفوارق السبعمئة بين غسان جواد ووليد جنبلاط وخالد مشعل، إلا أنّ المشترك بينهم واضح: كلّما خضعت لـ"الشروط الكاملة"، تصير وطنياً. أن يكون لك رأي فهذا يعني أنّك عميل، وإن كنت مقاوِماً تطلق الصواريخ على إسرائيل، مثل مشعل، أو صاحب رأي مختلِف في مسائل داخليّة وخارجيّة، مثل جنبلاط، أو شاباً أعبجته تجربة 14 آذار وجذبته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق