مختارمقالات

مروان شربل: رجل الدولة الحقيقي

مروان شربل يمثّل اللحظة اللبنانية بكلّ ألوانها. هو رجل الدولة اللبنانية الحالية. وزير داخلية الدولة التي بلا هيبة. ويحاول، من موقعه هذا، أن يفرض بعض الأمن والإستقرار. هو ليس مسؤولا عن انهيار هيبة الدولة، أو عن الهذيان المذهبي، أو الفلتان الأمني، لكنّه ابتلي، في لحظة الإنهيار هذه، أن صار وزير الداخلية، وعليه أن يحاول. والتصويب عليه سببه بسيط: هو الحلقة الأضعف فقط لأنّ لا ظهر مذهبيّ له.

 

ربما هو رجل السياسة الوحيد الحقيقيُّ والصادقُ في الجمهورية اللبنانية. لا يخفي بين السطور، ولا يرمّز ولا يوحي. يقول الأشياء كما هي. حين أوقف إبن الشيخ أحمد الأسير لأنّه كان يقود سيارة ولم يكن قد استحصل على إجازة سوق، قال: "بتصير". وهي فعلا "بتصير". معظم السياسيين يقود أبناؤهم سيارات في قلب بيروت بلا إجازات سوق، وهم لم يتجاوزوا بعد الـ15 أو الـ16 من أعمارهم. يدخلون المراقص قبل أن يبلغوا الـ18، يشربون الكحول ويدخّنون وهم ممنوعون، قانونا، من ذلك. الفارق أنّ شربل يقول: "بتصير". والسياسيون، وحتى الناس العاديون، وحتّى الناشطون الذين يفترض أن يكونوا نقديّين، يهاجمونه: "يا غيرة المجتمع المدني"، على وزن "يا غيرة الدين".

فعلا "بتصير". المطلوب من شربل أن يقول: "سنوقفه ولا أحد فوق القانون"، كما كان يقول الذين من قبله، ثم يخرجونه من باب خلفيّ ومن تحت الطاولة. هكذا يحب اللبنانيون الكذب. أحدهم قال لي: "مش منيحة بحقّه كوزير داخلية"، لكن هل "منيحة بحقّه" أن يكذب طوال الوقت؟

مشكلته مع الرأي العام اللبناني أنّه، أي الرأي العام، يريد من وزير الداخلية أن يحافظ على "وهرة" لا تأتي إلا من الكذب واللفلفة والدوران. مثلا: حين يفاوض مروان شربل الشيخ الأسير، ينتقده الجميع، لكنّه يكون قد حصل على ضوء أخضر من الحكومة، بمحورها المحليّ والإقليميّ. فهل يريد الناشطون المدنيون منه أن "يقاتل" الأسير؟ في لبنان كلّ شيء بالتراضي. كلنا نعرف هذا. لكنّ شربل، حين يقول هذا، يصير "ساذجا" في نظر الغيورين على "هيبة الدولة".

الأصحّ أن مروان شربل يمثّل اللحظة اللبنانية بكلّ ألوانها. هو وزير داخلية الدولة التي بلا هيبة. ويحاول، من موقعه هذا، أن يفرض الأمن والإستقرار. ليس مسؤولا عن الهذيان المذهبي، ولا عن الفلتان الأمني. هذا الذي يبدأ من طهران ولا ينتهي في الولايات المتحدة الأميركية.

كذلك ليس مسؤولا عن انهيار سلطة الدولة، لكنّه ابتلي، في لحظة الإنهيار هذه، أن صار وزير الداخلية، وعليه أن يحاول. والتصويب عليه سببه بسيط: هو الحلقة الأضعف فقط لأنّ لا ظهر مذهبيّ له.

هو ليس محسوبا على أيّ طرف. ليس "زلمة" أيّ مذهب. لا "حزب الله" ولا النائب ميشال عون ولا الرئيس ميشال سليمان ولا الرئيس نجيب ميقاتي. هو يُضرب على بطنه كلّ يوم، على شبكات التواصل الإجتماعي لأن لا ظهر له. يستسهل الناشطون شتمه كلّ يوم وتدبيج الصور المهينة بحقّه، فقط لأنّه لا يملك ميليشيا ترعبهم.

يحسب معظم الناشطين مليون حساب قبل أن يتعرّض أحدهم إلى الرئيس نبيه بري أو حزب الله أو تيار المستقبل… لكنّ شربل "مكسر عصا" المجتمع المدني، المقسوم بين 8 و14 آذار، والمجتمع على شتم شربل ليل نهار، فقط لأنّه يقول ما نفكّر به كلّ يوم.

حين قال إنّ من اعتدوا على المشايخ "محشّشون" كان يقصد التهدئة. الرؤساء يقولون "أضرب" من هذا. الرؤساء والنواب يرتكبون حروبا يُقتل فيها العشرات والمئات ثم "يتباوسون" في الحوارات. من يكون أكثر إيذاءً؟ لماذا التصويب على شربل فقط؟

حتى حين قال "لا يوجد شيء في صيدا"، ثم تبيّن أنّ الأسير خرج بسلاحه، كان يقصد ترويض الداعيّن إلى الفتنة. مثله فعل السياسيون كلّهم بعد الإعتداء على المشايخ. كلّهم دعوا إلى "وأد الفتنة" وألبسوا التهمة بـ"طابور خامس" و"استخبارات أجنبية" وأخرجوها إلى ما وراء الحدود، في يحن أنّها مشكلة محلية قلبا وقالبا. هل المطلوب من شربل ترداد الببغائيات السياسية المكرّرة؟

حتّى أنّ الشامتين افتتحوا صفحات على الفايسبوك (https://www.facebook.com/presidentmcharbel?fref=ts (لشتمه كلّ يوم وهي بعنوان: "مروان شربل رئيسا للجمهورية: هيك جمهورية بدها هيك رئيس". وهي تمتلىء بالسخرية اللاذعة والمهينة.

مشكلة شربل أنّه ليس "بييع كلام". لا يكذب لإرضاء الناس العاديين. يتعاطى مع المواضيع الكبيرة بأبوية عادية. "محشّشين ضربوا المشايخ" بدل "يجب وأد الفتنة" وكلّ هذا الكلام الممجوج. "ما في شي بصيدا" بدل "صيدا مهد التنوّع والوحدة الوطنية". كلامه "شعبي" بدل أن يكون الكلام الكليشيه. ربما لهذا خربط الصورة قليلا بتصريحاته.

في النهاية هو لا يستطيع "الضرب بيد من حديد" بحسب اللغة الخشبية اللبنانية. فقط يستطيع أن يصالح الأسير وأن يقنعه بفتح الطريق، وهذا أكثر من كافٍ. ولا يستطيع القبض على آل المقداد، فقط يستطيع أن يقنعهم بالإفراج عن المخطوفَين التركيَين. وهذا أكثر من كافٍ.

يتعامل الجميع مع مروان شربل على أنّه "المخلّص" الذي فشل في "تخليصنا" من عذاباتنا اللبنانية. لكنّ الحقيقة أنّ وزير داخلية الحرب الأهلية المعلّقة، وما يفعله أكثر من كافٍ، فلا رأي لمن لا يطاع، وهو يطلب المستطاع، كي يطاع.

مروان شربل: أنت تمثل هذا البلد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق