العينمقالات

حزب الله: ديكتاتور شيعي.. وديمقراطي عند السنّة

في اللحظة نفسها التي يفرض حزب الله وحركة أمل رئيسا سنياً هو رئيس الحكومة المكلّف الدكتور حسّان دياب، في موقع الرئاسة اللبنانية الثالثة، يستمرّ هذا الثنائي الشيعي الحاكم في لبنان بالهجمات اليومية، ليلاً ونهاراً، على محتجّين شيعة يحاولون التظاهر في منطقتي النبطية وصور، اعتراضاً على الأزمة المعيشية والسياسية.

حزب الله هذا نفسه الذي -بالتكافل والتضامن مع حركة أمل- يمنع العمل السياسي بشكل تام في مناطق نفوذه، فالعمل السياسي خارج "الثنائي" ممنوع في الجنوب والبقاع وفي كل قرية شيعية، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، حتى أن من يملك رأياً معارضاً يخاف البوح به ويهمس به همساً.

وحين خرجت مظاهرات الثوار في كل لبنان تعرض المحتجون على الفقر والجوع في مناطق نفوذ حزب الله وحركة أمل إلى أبشع أنواع القمع والضرب والإذلال، في بنت جبيل مثلا -جنوب لبنان- تعرّض المحتجّون في أوّل أيام الثورة إلى الضرب أمام عيون عناصر قوى الأمن والجيش.

مرشّحون إلى الانتخابات النيابية في جنوب لبنان والبقاع تعرّضوا للتهديد والاعتداءات الجسدية، عدا عن تهم التخوين والعمالة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، الصحفي علي الأمين هاجمه نحو 10 شبّان من حزب الله وضربوه في قريته الجنوبية شقرا، قبل الانتخابات، وخسر بعضاً من أسنانه خلال الاعتداء.

وهناك المئات من الناشطين والمعترضين الذين لم يجرؤوا على خوض الانتخابات، لا ترشيحاً ولا انتخاباً. عدا عن منع افتتاح مكاتب أو مراكز للمعارضين الشيعة داخل بلداتهم وقراهم ومدنهم، حتّى أن كلّ شيخ شيعي يتعرّض للعزل والتخوين إذا ثبت بالوجه السياسي عدم ولائه المطلق لولاية الفقيه، أو لشبكات رجال الدين التي تديرها حركة أمل خارج منظومة ولاية الفقيه.

على سبيل مثال، هناك المفتي السيد علي الأمين، مفتي صور وجبل عامل، اعتدى "الثنائي" عليه وطرده من دار الإفتاء في الجنوب، وعزله من منصبه خلال أحداث 7 أيار 2008، لأنه يحمل رأياً سياسياً مخالفاً، وهو اليوم يتعرّض لحملة تخوين واتهامات.

في المقابل، أدار حزب الله عدداً لا بأس به من المرشّحين داخل البيئة السنية، واستطراداً داخل البيئة الدرزية، عدا عن حليفه المسيحي الأبرز التيار الوطني الحرّ.

في البيئة السنية حصل حزب الله على فوز مريح لحلفائه من المرشّحين السنّة، وهم: فيصل كرامي وجهاد الصمد في الشمال، وفؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي في بيروت، وأسامة سعد في صيدا، وعبدالرحيم مراد في البقاع، والوليد سكرية في بعلبك، إضافة إلى النائب عن حركة "أمل" وعن قرى العرقوب السنّي في حاصبيا-الجنوب قاسم هاشم.

طبعاً السبب الأساسي لهذا الخرق الكبير في البيئة السنية، بكاسحة ألغام تابعة لحزب الله، هو قانون الانتخاب الجديد. لكنّ فوز حزب الله بهذه المقاعد السنية من خلال هذا القانون لم يكن ممكناً لولا أنّ حزب الله أرسى بنية تحتية خدماتية ومالية وسياسية متينة لهؤلاء المرشّحين. والأساس هو حريّة العمل السياسي المفتوحة أمامهم في كلّ المناطق ذات الأكثرية السنية.

في المقابل، وإلى جانب غياب الدعم المالي والسياسي والخدماتي للمرشّحين، أو الناشطين، أو الراغبين في العمل السياسي، من الشيعة المعارضين لحزب الله وحركة "أمل"، فإنّ الأساس هو غياب حريّة العمل السياسي، ونجد بدلاً منها التضييق والتهديدات، وصولاً إلى قتل هاشم السلمان أمام بوابة السفارة الإيرانية.

وهاشم السلمان كان نظّم مظاهرة احتجاجية على تدخّل حزب الله في سوريا أمام السفارة الإيرانية في حزيران 2013، شارك فيها شبان شيعة معارضون للحزب والحركة، فأطلق عليه النار شبّان لبنانيون من حرّاس السفارة، أمام عيون قوى الأمن والجيش، ونزف حتى صفّى دمه على الأرض، دون السماح للمسعفين بنقله إلى المستشفى، ليكون عبرة لمن يعتبر من الشيعة المعارضين.

هنا يبدو جلياً معنى "الميثاقية".

فهي تعني، فيما تعنيه، "حماية" التوازنات المذهبية، طالما أنّ شروط "التوازن" غير موجودة، بل ممنوعة، وذلك من خلال الاتفاق الضمني على أنّ "الأقوياء في طوائفهم" هم من يتولّون المناصب العليا، باعتبار أنّ "الثنائي الشيعي" وحده يملك تفويضاً كاملا، بحصوله على كلّ النواب الشيعة، الأمر الذي عجزت كل الأحزاب الأخرى عن الإتيان بمثله.

اليوم، حين يأتي "مدنيّ" من أنصار العلمانية أو من خصوم الطائفية السياسية، ليقول إنّ "الثورة تريد الخروج من الخطاب المذهبي"، وإنّه لا يجوز معارضة حسّان دياب باعتباره سنّياً "أقلّ مما يجب" فهو محقّ بالطبع.

لكن لا يمكن إجبار طرف واحد على التخفّف من رغباته "الميثاقية"، في حين تفرض جهة مذهبية حلفاءها نواباً على المذاهب الأخرى، كما فعل حزب الله وحركة "أمل"، ويمنع العمل السياسي داخل مناطقه.

وإلى أن يسمح "الثنائي الشيعي" بنشاط المعارضين السياسيين الشيعة داخل مناطق "سيطرة سلاحه"، وإلى أن يوقف حزب الله وحركة أمل" البلطجة السياسية وغير السياسية، على المعارضين داخل بيئته، بالتزامن مع تنطّحه بفرض معارضين، خصوصاً في المراكز الأساسية، على زعماء بقية المذاهب، ستبقى "الميثاقية" ضرورة، وستبقى السبيل الوحيد لحماية "التوازنات" الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق