مختارمقالات

قليل من الحبّ لبحر الدماء

أينما أدرت وجهكَ سترى أنيابا، بلطات تحت الكلمات، ولهيب الحقد بين الأسنان. قليل من الحبّ وسط هذا البحر الهادر من الدماء والكراهية، مثلا: المرأة تعشق الرجل الذي يرفض ما طلبه أو يطلبه غيره، والذي يطلب منها شيئا جديدا لم تعطِهِ لأحد.. أو لا تعرف، حتّى، أنّه بحوزتها.

أينما أدرت وجهكَ على الفايسبوك أو التويتر، كيما نظرت، سترى أنيابا. أنّى مشيت في بيروت ودمشق وبغداد وغزّة والقاهرة، سترى عيونا تملؤها السكاكين. الكلمات تحمل بلطات بين حروفها. الأنفاس تخرج منها ألهبة الحقد. القتل في مكان.
قليل من الحبّ وسط هذا البحر الهادر من الكراهية، وسط أنهار الدماء ومحيطات الحقد. لنقل شيئا عن الحبّ، مثلا: المرأة تعشق الرجل الذي يرفض ما طلبه أو يطلبه غيره، والذي يطلب منها شيئا جديدا لم تعطِهِ لأحد.. أو لا تعرف، حتّى، أنّه بحوزتها.
لنتحدّث عن الغرام: في العشرين، يريد المراهق امرأة طازجة يعشقها، لم تقبّل أحدا قبله. في الثلاثين، يريد امرأة تعشقه، ولن تقبّل أحدا غيره. في الأربعين، يريد امرأة تعرف كيف تقبّله، من قبلات سابقة، ولا يريدها إلى الأبد. في الخمسين يبحث عن امرأة تمشي معه قليلا، وفقط.
في العشرين يظنّ الشاب أنّه يريد امرأة واحدة يكمل معه حياته كلّها: الحبّ إلى الأبد. الزواج جزء من هذا الوهم. قصص العشق التاريخية. روميو وجولييت. عنتر وعبلا. قيس وليلى. التايتانيك. أصلا هي قصص عاشت لأنّها نادرة وصعبة الحصول.
يكتشف لاحقا أنّها كذبة. يبحث عن شيء آخر. عن الحبّ في الأبناء، في الأهل، في الأصدقاء، وفي النساء، النساء الكثيرات. يحبّ من هذه ضحكتها، ومن هذه عبستها. من تلك جدّيتها، ومن أخرى نكاتها. يعشق عابرة في سيارة أجرة، لدقيقة واحدة، وينسى حبيبة في دقيقة أخرى.
الغرام يا أصدقائي. لنتحدث عن الغرام. عن حبّ الأنبياء، والبشر أيضا. عن حبّ الجيران. الجار قبل الدار. عن حبّ أصدقاء الطفولة، قبل أن نعرف أنّهم سنّة أو شيعة. كيف أحببنا فتاة صارت لاحقا في حزب نعتبره كافرا أو عميلا.
الغرام. العشق. الحبّ. الوله. الحبّ في الأرض بعضٌ من تخيّلنا، لو لم نجدهُ عليها لاخترعناه.
أفتح الفايسبوك، أبحث عن أغنية جميلة يقترحها وجه جميل. جملة فيها بياض الإيجابية، وسط غابة من الأسنان التي تريد اصطيادي منذ الصباح إلى آخر الليل. أفتّش على التويتر عن صورة جميلة وسط كومة صور الجثث وفيديوات القتل والشماتة بالتفجيرات.
الغلّة قليل في آخر النهار. تعالوا إلى كلمة حبّ. لا أريد أن "تحبّوا بعضكم" على الطريقة الكليشيهية. فقط لنبحث فينا عن بعض الحبّ: المرأة تعشق الرجل الذي يرفض ما طلبه أو يطلبه غيره، والذي يطلب منها شيئا جديدا لم تعطِهِ لأحد.. أو لا تعرف، حتّى، أنّه بحوزتها. أليس كذلك؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق