أساس ميديامقالات

الرئيس يسرق البرلمان: أنا السلطان، على الإنس والجان

المقال أدناه يحكي عن سلطنة خيالية، ولا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بلبنان.

كان يا ما كان في قديم الزمان، وطن متروك في مهبّ الأوطان. وكان فيه رئيس يحب أن يسيطر على كلّ شيء. وكان أهل المدينة يظنون أنّ صهره هو المهووس بالسيطرة على كلّ زاوية من زوايا السلطنة. لكن تبيّن أنّه يحلم أن يكون هو السلطان، على كلّ مكان وزمان، وعلى كلّ إدارة ودكّان.
بدأ أوّلاً، منذ انتخابه رئيساً، في قضم صلاحيات رئيس وزرائه. صار يدعو إلى جلسات الحكومة بدلاً منه، ويدير الجلسات، ويصدر البيانات. ثم صار يعيّن في كلّ وزارة مندوباً له، ينقل الأخبار، ويسجّل الملاحظات، ويزاحم الوزير على كلّ تفصيل، مزاحمة الأسنان واللسان.
ثم أفلس بيت المال، وجاع أهل المدينة، فثاروا على الرئيس وصهره. لكنّ الثورة اصطدمت بجيش الرئيس، وبمجموعات مدنية وعسكرية مقاتلة تحمي الرئيس وصهره، وتدّعي أنّها مرسلة من الله، لقاء أن يعطيهم كلمة السرّ والأمان. وكانوا يعطونه القوّة، وكان يعطيهم الغفران، عن كلّ ما يرتكبونه من خطايا بحقّ المدينة وأهلها، وعن كلّ الموبقات والفلتان.
في البداية تحالف الرئيس مع المجموعات المسلّحة لأنّه أراد أن يصير رئيساً، فصار، ثم راح يحلم بأن يصير هو السلطان، فيورّث صهره، وأبناءه من بعده، كلَّ ما وصل إليه من عظيم شان. وعندها اشتدّت الأزمات، وأفلست الدولة، وعانى المواطنون العوَزَ والذلّ والخذلان.
المجموعات الإلهية المقاتلة كان لها حلفاء في كلّ المدن المجاورة، كان همّها المحافظة على قوّاتها، وعلى تحالفاتها، وحماية وجودها، وأن تبقى مسيطرة على المدينة، من خلال الرئيس. وكان لها ما كان. وراحت تسهّل له كل ما يطلبه، بدءاً من لبن العصفور، وصولاً إلى عصير الرمّان.
بعد قيام الثورة ضدّ الرئيس وصهره والوزراء والنواب، وبعد مسلسل قضم صلاحيات الحكومة والوزراء، "هجّ" رئيس الوزراء وهرب إلى بلد بعيد بلا ناس ولا ثورات ولا سجن ولا قضبان. فعيّن الرئيس الحالم وزيراً أوّلاً يكرهه أهل المدينة، بدل الرئيس الهربان. وراح رئيس الحكومة الجديد يسيء الحكم، ويترك للرئيس – السلطان أن يفعل ما يريده، هو وصهره المدلّل، وصار الرئيس الجديد صنو البهدلة وله صورة المُهان.
واستمرّت الثورة، واستمرّ الجوع، ومعهما الزور والبهتان، في الحكم وفي كلّ مكان. ولم تجد المدينة من ينصرها، إذ خضع الجميع، ولم نجد من به يُستعان، خيّال جامح يأتينا على فرس أو على حصان.
وفي يوم من الأيام، أعلن الرئيس أنّه يريد أن يسرق البرلمان، وأن يطرد رئيس النواب من مكانه، وأن يصير هو رئيس المدينة ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، وأن يصير هو الوزراء والنواب، وأن يحكم كلّ شيء، من قضاة وعسكرٍ، وأن تكون السلطة له ولأعوان صهره من الغلمان.
دعا الرئيس إلى قصره كلّ وجهاء المدينة . أرادهم أن يبايعوه في قصره، وكانت الحيلة أنّه أقرّ خطة تاريخية (أي أنّها مستوحاة من التاريخ) ستطرد الجوع من الباب، وستقفل شبابيك الذلّ، وستبعد عن أهل المدينة الهوان، وستغرقهم في الحبّ والمال والحنان.
الرئيس يحلم بأن يصير هو السلطان، فيصير صهره زوج بنت السلطان، وفي حلم الرئيس أن يصير ملك ملوك الإنس والجان، فلا نواب بعده ولا وزراء ولا انتخاباتٍ ولا عسكر ولا قضاة ولا مكان فيها لكلام ولا لبيان.
الحلم حقّ لكلّ إنسان. لكنّ المدينة، التي ثار أهلها على الظلم، كما تثور على الطواغيت الأوطان، تبحث عن قبطان، وأهلها على مشارف إعلان العصيان، وما عادت تخيفهم سود القمصان.
رئيس المدينة راح يهدّد النواب والوزراء، بالويل والثبور، بالسجن والسجّان، وبأن يسلبهم ما لهم من أطيان، وأن يتهمهم بالسرقة، وبأنّهم هم من تسبّبوا بتصحّر المال، وبنشر الفقر كالفيضان.
الرئيس يحلم، وأهل المدينة يخبطون بأقدامهم في الشوارع. ويرون أنّه بات يريد كلّ شيء في قبضة يده.
لكنّ الكرة الآن، في ملعب رئيس البرلمان.

ملاحظة ضرورية: 384 تحية إلى دستور السلطنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق