أساس ميديامقالات

الأبوكاليبس: نهاية العوالم اللبنانية التي نعرفها

لم نكن نعرف أنّ اللبنانيين "شعب مهضوم". كان الصيت للمصريين قبلنا، وكان صيتنا أنّنا نكتب ونطبع. لكن، وفيما نتوجّه صوب القعر، في كلّ النواحي، كشفت مواقع التواصل الاجتماعي أنّنا شعب شديد السخرية، ولا يثنيه شيء عن التمسّك بالبسمة والنكتة.

فالمشهد حالياً قريب من مشاهد نهاية العالم في الأفلام الأبوكاليبسية. كلّ شيء من حولنا ينهار في لبنان. يشبه فيلم "2012" حيث بدأت الكرة الأرضية تتحطّم وبدأت المحيطات تغزو اليابسة والظواهر المناخية تصل إلى أقصاها، وتبيد البشر.

لكن، وكما تقول النكات، يذهب اللبنانيون إلى القعر، فيما الفرقة الموسيقية تعزف حتى اللحظة الأخيرة، كما في فيلم "تايتانيك". والفرقة هنا، في لبنان، هي روحنا المرحة، وقدرتنا على المزاح وتحويل كلّ شيء إلى نكتة. أمر لم نكن مشهورين به من ولم نكن نعرف أنّه ميزة وطنية مشتركة..

والغريب أنّه على خلاف الاستنفار الذي تعيشه دول العالم بسبب فيروس كورونا، وعلى خلاف الرعب الذي ملأ فيلم "تايتانيك" وفيلم "2012"، نحن في فيلم "لبنان 2020"، كلّ شيء ينهار حرفياً من حولنا. نعرف هذا، لكن يوم الأحد مثلاً، توزّع اللبنانيون بين "المولات" ومناطق التزلّج والأنهار ومناطق التنزّه الربيعية. كانت الصور مضحكة ومبكية. نحن على حافّة كوارث مالية وصحيّة، وفي الوقت نفسه نتنزّه ونختلط، في حين أمرت السلطات المتخصّصة بما يشبه حظر التجوّل، مع إقفال المؤسسات التعليمية ودور الحضانة ومراكز الترفيه، إضافة إلى طلب تفادي الأماكن المكتظة والتزام مسافات آمنة بين المواطنين.

إنّه الأبوكاليبس اللبناني. كلّ شيء ينهار. لبنان الذي نعرفه لم يعد هو نفسه. لا نعرف الخطّ الفاصل. ربما يكون 17 تشرين، وربما الكورونا، وربما إعلان رئيس الحكومة حسّان دياب التوقف عن دفع ديون لبنان، وربّما كلّها. لكنّ الأكيد أنّنا حين نعبر، وحين ننجو، من هذه "النهايات"، سنكون أمام لبنان جديد، حتّى هذه اللحظة، لا نعرف عنه شيئاً.

والأبوكاليبس اللبناني غير مسبوق. مرّت علينا حروب عنيفة وكثيرة. لكنّنا اليوم نشهد نهاية النظام الاقتصادي الذي نعرفه، ونهاية النموذج اللبناني الريعي. كما نشهد انهيار مناعتنا الاقتصادية والمالية التي لطالما تغنّينا بها. لا مزيد من حكايات "سويسرا الشرق"، حتّى بالحدود الدنيا.

كذلك نشهد ضياع ودائعنا في المصارف، مهما كبرت أو صغرت. أي ضياع جنى أعمار اللبنانيين، كلّهم. ونشهد نهاية النظام المصرفي الذي عرفناه منذ 70 عاماً. ونشهد انتشار وباء كورونا، في ظلّ انهيار المناعة الصحّية الوطنية، مع أزمة المستلزمات الطبية وانقطاع مواد أساسية في القطاع الصحّي.

نشهد كذلك ثورة منذ أربعة أشهر، تعلن انهيار النظام السياسي وترنّحه. في وقت عاد الحديث ليتجدّد عن "الجمهورية الثالثة" (عبارة استخدمها رئيس الجمهورية قبل أيام)، و"المؤتمر التأسيسي"، الذي يروّج له حزب الله منذ سنوات. وقد عاد هذا المصطلح إلى الواجهة على ألسنة قريبين من الحزب خلال الأيام الماضية. ونشهد محاولة من الحكومة الحالية لإنهاء "النموذج الاقتصادي" الذي قام عليه لبنان، كما صرّح رئيس الحكومة حسّان دياب قبل أيّام.

نحن مرعوبون. مبيع زجاجات السبيرتو فاق مبيع زجاجات المياه. اللبنانيون خائفون. نعيش أياماً غير مسبوقة في سوادها، في خطورتها، وفي الرعب الذي تمتلىء به.

إنّه الأبوكاليبس اللبناني، وبداية نهاية العوالم اللبنانية التي نعرفها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق