أساس ميديامقالات

رسالة حزب الله "الحربية": لا أحد "على السمع"..

ليس مقنعاً بيان حزب الله. بيان شديد التهذيب، و"كلاسيكي"، لكن قبل هذا وذاك، هو بيان شكليّ، لا قيمة "تنفيذية" له. أي أنّه بيان "الواجب". وعلى الأرجح أنّه لم ولن يقنع أحداً، خصوصاً الجملة التي تحدّثت عن "حرمة التعرّض لزوجات الرسول"، بعدما "أفلت" الجراد المذهبي في وسط بيروت، ليعتدوا على المتظاهرين ويشتموا زوجة الرسول السيدة عائشة.

كذلك كان بلا أيّ أثر بيان "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، الذي أدان "أيّ إساءة لأي رمز ديني". لأنّه بيان يفتقد لأيّ قيمة ميدانية. فهو أتى بعد انتهاء "الحرب الصغيرة"، كتتويج وإعلان خاتمة للرسالة التي بعثتها "السلطة الشيعية" أمس.

فإذا كان حزب الله جادّاً في بيانه، ما عليه إلاّ أن يسلّم إلى القوى الأمنية باليد 50 شاباً ممن شتموا السيدة عائشة في الشارع، لإجراء المقتضى القضائي بحقّهم، ومحاكمتهم سريعاً، ليكونوا عبرةً لمن اعتبر، وليعرفوا أنّ اللعب بالأمن القومي، ومحاولة بثّ الفتنة، هو جرم يعاقب عليه القانون، قبل أن تتبرّأ منه الأحزاب ببيانات لا تساوي ثمن الحبر الذي طُبعت به.

حزب الله ليس جادّاً في بيانه، ولا "المجلس الشيعي"، فكلاهما يحميان من شتموا عائشة، والأرجح أنّ الحزب أرسلهم ليشتموها، وليقسّموا المتظاهرين، وليحوّلوا تظاهرة ضدّ الجوع وضدّ الحكومة وضدّ سلاحه (وثلاثتهم يصبّون عنده) إلى تظاهرات مذهبية تافهة مثل الشبّان الذين أرسلهم.

في الوقت نفسه، كان مناصرو "الثنائي الشيعي"، يطرقون باب عين الرمانة، ويحاولون الدخول بموكب دراجات نارية إلى قلب المنطقة القواتية، ليستفزّوا "مسيحيين" وتحديداً "موارنة"، بالتعرّض لرموزهم واجتياح شوارعهم. ووقع جرحى في الإشكال، وكاد يتطوّر إلى ما هو أكثر خطورةً.

كانت الرسالة المزدوجة واضحة من حزب الله، وهي ليست الأولى من هذا النوع. فقد استبقها قبل يومين توزيع فيديوات، بعضها قديم وبعضها حديث، عن مواكب بآلاف الدراجات النارية، باتت "سلاحاً" جديداً، في الحروب الصغيرة التي يديرها الحزب ضدّ المحتجّين اللبنانيين.

رسالة حزب الله هي التالية: "إذا فتحتم أفواهكم بالحديث عن سلاحنا، سنفتح عليكم الجبهات كلّها، في بيروت مع السنّة، وفي الضاحية مع الموارنة، وسنكون في أيّ مكان".

هي رسالة ترهيب، كالعادة، ولا مانع من استخدام أسلحة قذرة فيها، مثل شتم رموز دينية، لاستفزاز "الخصوم" كي يشتموا رموزه. لكنّ أحد الظرفاء علّق: "نحن لن نشتم السيدة فاطمة ولا الإمام علي ولا الحسن ولا الحسين. لا مشكلة بيننا وبينهم، سنشتم نصر الله، مشكلتنا معه، ومعه فقط".

وهكذا كان: ردّ شبّان من بيروت على كورنيش المزرعة، وتحديداً على بوابة "بربور" الشيعية الطابع، مقابل الطريق الجديدة، بأن شتموا نصر الله حصراً. في حين كان شاتمو عائشة يفضّلون، بشوارعيتهم الرخيصة، وفرط ذكوريتهم، المنقوصة، أن يقتصر الخلاف على شتم النساء، كأيّ خلاف بين غاضبَيْن تافهَيْن، ينتهي بشتم الأخت والأم. وأن يكون شتم "فاطمة" مقابل شتم "عائشة".

لطالما راهن حزب الله على أنّ "الحرب" لعبته المفضّلة، واللعبة التي يتقنها أكثر من غيره، في الداخل، ويظنّ كذلك أنّه "الأفضل" فيها بالخارج. الحرب بالمعنى الأمني والعسكري. لكنّه لا يريد الاعتراف أنّ للحرب وجوهاً كثيرة هو الأضعف فيها، ليس أوّلها "الثقافي" الذي تحدّث عنه الأمين العام حسن نصر الله خلال مقابلته الأخيرة مع إذاعة "النور". وذلك ردّاً على سؤال حول المواجهة مع الولايات المتحدة، ليتجنّب "التهديد" الذي اعتاد إطلاقه، قبل بدء فرض العقوبات المالية. وليس آخر وجوه الحرب البعد "المالي"، الذي يعاني منه الحزب، وكل اللبنانيين، بسبب الحزب وقراراته وتدخّلاته في دنيا العرب، سلاحاً ومالاً وتحريضاً.

منذ أيام نقلت الزميلة نهلا نصرالدين عن مسؤول أمني مناطقي في حزب الله "فخره" بمعابر الحزب الثلاثة للمال والسلاح القادم من سوريا الى لبنان. في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي بأسره بإغلاق المعابر غير الشرعية. ومع ذلك تجاهل الجميع دولياً هذا الإعلان. لذلك فمهما كانت رسالة حزب الله واضحة ، لن يقرأها أحد حتى لو هدّد بإحراق لبنان، كما اعتاد دوماً، حين "يتغنّج" على العرب والغرب منذراً بضرب حلفائهم في لبنان. هكذا فعل في 7 أيّار 2008 ووجد العرب حاضرين ليفتحوا "ملحقاً" في قطر، لاتفاق "الطائف" الذي وُقّع في السعودية.

اليوم لا أحد "على السمع". الغرب والعرب سيتفرّجون على لبنان يحترق. البعض سيستمتع بالنار تأكل لبنان، "مربط خيام" حزب الله: حديقته الخلفية، حيث مستشفى الجرحى وخيام النساء والأطفال، والمدرسة والجامعة والمطار والمرفأ، ومركز التدريبات، وساحة إدارة الحرب الإعلامية.

لن يهرول أحد للملمة الحرب التي يهدّد بها حزب الله. لا همّ لديهم هنا بعد اليوم. الدولار قد يرتفع ليلامس 10 آلاف ليرة، وربما أكثر. وحزب الله، إذ يهدّد بالحلّ الشمشموني، بأن يحرق البلد "عليّ وعلى أعدائي"، سيسمع جملة واحدة: Good Luck. وسيحترق هو أوّلاً، بنار المذهبية، ثم ستحترق بيئته بنار الجوع المضاعف، حين تبدأ "الحرب" التي استعرض عيّنة منها يوم السبت 6 حزيران. ثم سيحترق الجميع سياسياً في عيون الشوارع المذهبية كلّها، الاّ ان الحزب يكون قد كشّر عن أنيابه كلّها، وبعدها قد يأتي الطوفان بشكل عقوبات أكثر قسوةً .

هذا هو السيناريو هذه المرّة. لا إعادة إعمار، ولا "دوحة" ولا من يطبطبون علينا.

رسالة حزب الله واضحة. لكن لا أحد سيقرأها. عليه أن يقبل أنّ قواعد اللعبة تغيّرت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق