العينمقالات

كلام المطران عودة وصواريخ القيادي الإيراني

ليست غريبة الحملة التي أطلقها حزب الله ضدّ مطران بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عودة، حملة عنيفة على مواقع التواصل من "نجوم" حزب الله، استكملها رئيس كتلته النيابية محمد رعد، الذي اتهمه بأنّه "يجهّل الأسباب الحقيقية للأزمة ويبرّر استهداف المقاومة".

فماذا قال المطران في 8 ديسمبر/كانون الأوّل الجاري؟

قال جملتين لا يختلف عليهما اثنان في لبنان وفي العالم، قال التالي: "هذا البلد يُحكم من شخص، كلكم تعرفونه، ولا أحد يفتح فمه، ويُحكم من جماعة تحكمنا بالسلاح". وسأل: "أين الثقافة؟ أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الذي نفتخر به؟ أين هو؟ شخص لا نعرف ماذا يعرف ويحكم بنا، يُرجع إليه ولا يُرجع إلى الأعلى منه" وختم: "شو معتّر هالبلد".

بعد أقلّ من 48 ساعة خرج علينا "مستشار في الحرس الثوري الإيراني"، اسمه اللواء مرتضى قرباني، ليقول التالي: "إذا ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، فإننا سنسوي تل أبيب بالأرض من لبنان، دون الحاجة إلى معدّات أو إطلاق صواريخ من إيران".

مسؤول عسكري في جهاز أمني إيراني، يهدّد إسرائيل بحرب عسكرية عليها، انطلاقاً من حزب الله، التابع لإيران، في لبنان. بكلّ ما يحمله هذا التهديد من اختراق لأبسط قواعد العلاقات الدولية، وبكلّ ما يختزنه من إهانة للدولة اللبنانية، وبكلّ ما يعلنه من إمساك بأمن لبنان وسيطرته على قراره الحربيّ والعسكري، والقرار السياسي بالطبع.

بلا خجل وبلا أيّ اعتبار لما يقوله قادة حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصرالله، من أنّ العلاقة مع إيران هي "في خدمة لبنان". هكذا وبوقاحة لا سابق لها، يعلن مسؤول عسكري إيراني أنّ لبنان، بمواطنيه وشعبه وجيشه وأجهزته الأمنية ومؤسساته السياسية والدستورية وقوانينه، وبنوابه ووزرائه ورؤسائه الثلاثة، لا وزن لهم ولا قيمة لهم في عيونه وفي "دماغ" المؤسسة التي يتحدث باسمها، بل هم مجرّد بيادق و"كومبارس" يحرّكهم كما يشاء.

قبله كان قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني قد أعلن في يونيو/حزيران 2018، بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية، أنّ "حزب الله حصل على 74 مقعداً من أصل 128 في برلمان لبنان" واصفاً ذلك بأنّه "نصر كبير" لإيران.

فلماذا هذا الهجوم على المطران عودة؟

الأسباب كثيرة، ليس أوّلها أنّ عودة بات يتحدث بلغة "صفيرية" (أي يشبه مكانة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير)، أي أنّه بدأ يأخذ مكانة رفيعة في البيئة السيادية، خصوصاً أنّ اعتراضه على "جماعة تحكمنا بالسلاح" لا يقرّشه في الزواريب السياسية، بوقوفه إلى جانب طرف سياسي ضدّ آخر في ملفات سياسية. بل يعطي رأياً عاماً يمسّ قضايا "وطنية" و"جامعة" ويدافع عن "المصلحة العامة"، دون أن يكون محسوباً على زعيم سياسي مثلاً، كما هو الحال مع رجال دين آخرين من طوائف مختلفة.

لطالما تباهى مسؤولون إيرانيون بأنّ بلادهم "تسيطر على أربع عواصم عربية"، قاصدين لبنان والعراق واليمن وسوريا. ليس أوّلهم وزير الاستخبارات السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد حيدر مصلحي في 2015. وليس آخرهم في فبراير/شباط 2018 عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران رحيم بور أزغدي، الذي قال إنّ "6 دول باتت تحت سيطرة نظام خامنئي، بعدما خرجت من تحت سيطرة واشنطن، وهي العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، وفلسطين، وأفغانستان"، داعياً إلى "إعلان الإمبراطورية الفارسية".

والرئيس الإيراني حسن روحاني نفسه تباهي قبل شهرين بأنّه "لا يمكن اتخاذ قرار في لبنان أو العراق دون الرجوع إلى إيران"، وبالتالي يصبح الهجوم على المطران عودة أقرب إلى محاولة لإثارة "انقسام طائفي"، شيعي/مسيحي، والإيحاء بأنّه "إسلامي/مسيحي"، في لحظة الثورة اللبنانية، ضمن محاولات "تطييف" المشاعر اللبنانية، ونزع الصفة الوطنية عنها، ونقل المزاج الشعبي والمدني إلى مكان آخر، مذهبي وعصبوي.

حزب يتفاخر قائده بأنّه مموّل من إيران وبأنّه يكدّس مئات آلاف الصواريخ، وبأنّه يقاتل ويعتدي على عدد من الدول العربية، لماذا يُسمح له باستعمال لبنان وسمعته في حرب إعلامية إيرانية – سياسية، وربما لاحقاً عسكرية، ضدّ خصومه، ولا يُسمح لرجل لبناني بالاعتراض على هذا السلوك، مطراناً كان أو شيخاً أو إنساناً بلا صفة حتّى. الاعتراض وليس التسلّح أو الدعوة إلى المواجهة.

هل يريد حزب الله أن يخرس اللبنانيين كلّهم؟

هل يظنّ أنّه سينجح حيث فشلت إمبراطوريات ودول، منذ آلاف السنين إلى يومنا هذا؟

في زمن الصراخ، ومواقع التواصل، والثورات الشعبية، يبدو حزب الله ديناصوراً من خارج الزمن، وصواريخه، قريباً، ستشبه جسد الديناصور الضخم، الذين لن ينجيه من الانقراض، حين يبدأ المحيط البيئي بالتغيّر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق