أساس ميديامقالات

السلطة تستولي على الشارع وتفتّت معركة الفساد مذهبياً

إنتقلنا من مرحلة الحديث عن انتهاء الحركة الاحتجاجية التي بدأت في 17 تشرين الأوّل 2019، صوب مرحلة جديدة كليّاً، حيث تتحضّر السلطة للانقضاض على الشارع و"سرقته" من أيدي الناشطين المدنيين والجائعين والفقراء والمعترضين، وإعادته إلى كنف القوى التقليدية التي كانت احتجبت و"انضبّت" خلال الأشهر الـ13 الماضية. يجري هذا بالتزامن مع محاولة هذه السلطة، بأطرافها المتخاصمة والمتصارعة، أن تسرق شعارات مكافحة الفساد وتسطو عليها. محاولة بدأها جبران باسيل، ولن يكون آخرها ردّ الحزب التقدمي الإشتراكي على هجمات باسيل القضائية، وحركة أمل في الشارع.

نبدأ من الاتحاد العمالي العام:

بعد 13 شهراً من بداية الانهيار اللبناني الكبير، تذكّرت قيادة الاتحاد العمالي العام، التي تتحرّك بإشارة حزبية، أنّ هناك جوعاً وفقراً وأنّ هناك سلطة وحكومةً، وأنّها يجب أن تدعو اللبنانيين إلى الإضراب والتظاهر.

ليس غريباً أن تتحرّك النقابات واتحاد العمّال بالريمونت كونترول. فواحدة من أسباب ثورة 17 تشرين التي جاءت من خارج الأحزاب والأطر النقابية التقليدية، هي أنّ كلّ هذه المؤسسات، التي تفترض أن تقود حركات الاعتراض والتغيير في المجتمعات الحيّة والطبيعية، باتت مملوكة بالكامل، وفق أسهم محدّدة، بين أركان السلطات، في عمل تراكميّ طيلة عقود طويلة.

لهذا السبب فإنّ فوز ملحم خلف بمنصب نقيب المحامين، وفوز النادي العلماني في انتخابات مجالس الطلاب التمثيلية في الجامعات الخاصة، وفوز الأساتذة المستقلّين في جميع الكليات والفروع في انتخابات مجلس المندوبين أمس، بحصول تجمّع "جامعيون مستقلّون" والمستقلون الذين ترشحوا بشكل منفرد أكثر من 40 % من المندوبين، من أصل 159… كلّ هذا، رغم الضغوط الحزبية، ورغم تحوّل الجامعة اللبنانية مقرّاً ومراكزَ تتحكّم بها أحزاب السلطة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية، عبّر عن قدرة الناشطين والثائرين على التأثير خارج الأطر التقليدية، التي تمسك بها أحزاب السلطة والمذاهب منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، وتشغّلها بحسب أجنداتها.

نزول الاتحاد العمالي العام إلى الشارع يأتي موّجهاً لمنع التغيير، كما هو الحال دائماً، من أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لتأليب الشارع عليه، وصولاً إلى اجتياح بيروت في 7 أيّار 2008، الذي بدأ بتظاهرة لهذا الاتحاد نفسه، وانتهى إلى احتلال العاصمة وبعضاً من الجبل.

واستعمال "الاتحاد" اليوم يأتي في سياق التصعيد الذي تمارسه بعض قوى 8 آذار، ولعلّ أبرزها حركة "أمل" التي ترى في سلوك الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، حرب إلغاء قضائية وإعلامية ضدّ خصومه، تأتي استكمالاً لذهنية قبرشمون، ورغبة الصهر في "جرف" خصومه، كما هدّد قبل أسبوع من اندلاع ثوة 17 تشرين التي جرفته.

وقد بدأت معركة الرئيس برّي بوجه سلوك باسيل في مقدّمة تلفزيون nbn في نشرة 8 كانون الأوّل الجاري، وسألته: "من يا فخامة الرئيس أول مستهدفي القضاء؟ من عطل التشكيلات القضائية؟ ماهي الأسباب الخفية لهذا التعطيل؟ ولمصلحة من؟ من يا فخامة الرئيس يريد أن يصيب الجسم القضائي بالشلل؟ وهل هكذا يتم تفعيل حصن العدالة الأول والأخير؟ من يخنق التشكيلات التي تشكل أوكسجين ليس الحياة القضائية فحسب، بل الوطنية".

هجمة باسيل القضائية والردود عليها

منذ أسابيع بدأ الفريق المحيط بجبران باسيل بشنّ حملات إعلامية، أرفقها بتقديم ملفات إلى القضاء، أفضت إلى استدعاء عشرات الموظفين من وزارات محدّدة، وجزء منهم محسوبون على وليد جنبلاط، وإلى طلب التحقيق مع ضبّاط وموظفين سابقين وحاليين، محسوب معظمهم على فريق 14 آذار وامتداداته السابقة. وذلك في محاولة للانتقام من بعض الأسماء، لعلّ أبرزهم قائد الجيش السابق جان قهوجي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. والأخير تخلّف عن المثول أمام القضاء أمس "لأسباب أمنية".

الهدف من هذا الهجوم الساحق الماحق الذي يشنّه فريق باسيل وإعلامه، هو إعلان أنّ قبضته لا تزال قوية في كلّ أنحاء البلاد، وإعلان أنّ الفاسدين بالعشرات والمئات وليس وحده الفاسد، بعد عام من شتمه في شوارع لبنان بنشيد "الهيلا هو". وبالتأكيد من أهدافه ترويع الآخرين، من خصوم ومتردّدين، بأنّ إدارات الدولة والأسلاك الأمنية والعسكرية لا تزال تحت سيطرته، وأنّ القضاء في يده، يميت من يشاء، ويحيي من يشاء، قضائياً وإعلامياً.

بعد ردّ nbn قبل ثلاثة أيام، جاء ردّ سياسي – قانوني أمس من "اللقاء الديمقراطي"، الذي تقدم إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي "بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بملف مناقصات الكهرباء والفيول بكل شفافية ووضوح وبعيداً عن الاستنسابية"، ودعا إلى "فتح كلّ ملفات الدولة بدون استثناء ومنها ملفّ وزارة المهجرين". وفي هذا إشارة واضحة: "بتفتح ملفات منفتح ملفات… سيب وانا سيب".

ورشحت أخبار عن توجّه أطراف أخرى إلى سلوك طريق القضاء والإعلام في فتح الملفات بوجه باسيل وفريقه من وزراء وموظفين. ما ينذر بتحويل معركة المواطنين والمحتجّين ضدّ الفساد إلى معارك سياسية وحزبية ومذهبية متفرّقة، لها علاقة بصراع النفوذ والصراع حول تشكيل الحكومة، ولا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بمعركة مواجهة الفساد التي يخوضها اللبنانيون ضدّ الطبقة السياسية، منذ 17 تشرين الأوّل 2019.

السلطة أعادت قواعد الاشتباك إلى ما قبل 17 تشرين الأوّل 2019. خلافات على الحصص، واستعمال للأدوات القديمة في المواجهة، بين القضاء والإعلام والنقابات والشارع المُفتعَل الذي يمشي على الريموت كونترول، وخلافات تقليدية على الوزارات والحصص في عملية تشكيل الحكومة… والشارع الحقيقي غائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق