مختارمقالات

الفتحاوية ليست تهمة: عن جدّي وآخرين

يعمد كثيرون إلى اتهام كثيرين بالفتحاوية. أي بأنّهم وقفوا إلى جانب حركة "فتح" حين كانت تلك تقاوم إسرائيل من جنوب لبنان في الستينات حتى الثمانينات. يوم كان المتّهِمون اليوم يعادونها نزولا عند رغبات إقليمية، إيرانية أو سورية، ودولية، أميركية أو روسية، وعربية أحيانا، ليبية أو غيرها. هؤلاء الذين ارتكبوا مئة "صبرا وشاتيلا" قبل بشير الجميّل.
جدّي كان واحدا من هؤلاء. كان فتحاويا وهدمت الجرّافات الإسرائيلية منزله في 1987 عقابا له على تشكيل "بيئة حاضنة للمخربين الفلسطينيين" بحسب الإذاعة الإسرائيلية، أي "بيئة حاضنة للمقاومة" الفلسطينية.
هل من ناصر "حزب الله" في العام 1996 وفي العام 2006 يمكن أن يُحاسَب بعد عشرين عاما على ما اقترفه عملاء السي آي أيه في "حزب الله"؟ أو على "الكبتاغون" و"الأدوية الفاسدة" و"الأبقار المريضة" ووو…؟؟
الفتحاوية ليست تهمة. وآن الأوان لإقفال هذا الباب والتوقف عن استعمال الكلمة كما لو أنّها شتيمة. أبو عمّار كان غيفارا الكوكب حينها. والعقل نفسه ينتقد "حماس" اليوم، بما هي "مقاومة سابقة" لأنّها خرجت عن طوع الراعي الإقليمي للمقاومة "الرسمية"، المرضي عنها إقليميا. غدا تصير "الحمساوية" تهمة.
واليوم: الفتحاوية ليست تهمة، وحين كان جدّي فتحاويا، من يعيّرونه اليوم كانوا مع إسرائيل، وكثيرون منهم رشّوا الأرز على الدبابات الإسرائيلية يوم "خلّصتهم" من "فتح".

يعمد كثيرون إلى اتهام كثيرين بالفتحاوية. أي بأنّهم وقفوا إلى جانب حركة "فتح" في يوم من الأيام، وتحديدا حين كانت تلك الحركة تقاوم العدوّ الإسرائيلي من جنوب لبنان في ستينات القرن الماضي وصولا إلى ثمانيناته. وتحديدا يوم كان مزاج المتّهِمين اليوم يميل إلى معاداة "فتح" نزولا عند رغبات إقليمية، إيرانية أو سورية، ودولية، أميركية أو روسية، وعربية أحيانا، ليبية أو غيرها.
خصوم "فتح" وأعداؤها في تلك الفترة حاصروا المخيمات وارتكبوا مئة "صبرا وشاتيلا" قبل بشير الجميّل. هؤلاء كانوا "حلفاء موضوعيين" لإسرائيل، بحسب اللغة التي يستعملونها هم، أمس واليوم. اللغة التي تقول إنّ الخلاف السياسي مع الذي يقاوم إسرائيل هو "حلف موضوعي" مع إسرائيل. الأمر الذي لا يوافق عليه كاتب هذه السطور.
كانت "فتح" في تلك الأيام على رأس حركات التحرّر العالمية كلّها. كانت قبلة المئات ممن استشهدوا دفاعا عنها وعن حقها في المقاومة وعن بيروت في السبعينات وصولا إلى الإجتياح الإسرائيلي في 1982. ومقابر كثيرة تشهد على هذا، منها مقبرة شاتيلا، في منطقة طرق وجسور اليوم تصل – وتفصل أيضا – بين "الطريق الجديدة" من جهة و"الضاحية الجنوبية" من جهة أخرى.
في تلك المقابر شواهد على شهداء من جنسيات لا تخطر على بال. إذا كانت ذاكرتي مصيبة وجيّدة فهناك الماليزي والغواتيمالي مثلا. وفي تلك الفترة كانت تظاهرت تقوم في الصين وأنغولا ومصر مع "فتح". كان الكوكب كلّه يناصر "فتح" بما هي الثورة الوحيدة في العالم ضدّ الإحتلال. وكان الوقوف إلى جانبها مكلفا. كان "الفتحاويون" حينها يدفعون ثمن مواقفهم.
جدّي كان واحدا من هؤلاء. مختار بلدة ربثلاثين ومختار مخاتير القرى المجاورة محمد جواد بركات، أبو أحمد، كان فتحاويا وساهم في توقيع مخاتير الجنوب على العريضة التي حملها أبو عمّار إلى الأمم المتحدة تؤكد وقوف أهل الجنوب إلى جانبه.
كان المقاتلون الفلسطينيون ينامون في منزلنا بالقرية. يعودون من العمليات فيأكلون ويشربون وينامون ويحظون بالرعاية والأمان في طريق العودة. وفي العام 1978 هدمت الجرّافات الإسرائيلي منزل جدّي. لم يصبه صاروخ ولا تعرّض للقصف. هدمته الجرّافات واقتلعت أشجار التين والزيتون من حقولنا ليمحوا ذكرنا ويميتوا رأينا.
يوم تحرّر الجنوب في العام 2000 كان السقف قطعة واحدة على الأرض، وبقي على الأرض، يدفع ثمن مواقفه (وللحديث تتمّة)، حتى يومنا هذا. وهذه إحدى أثمان "الفتحاوية". فخصوم "فتح" الذي قتلوا أهلها في المخيمات باتوا هم الممسكين بزمام السلطة في الجنوب اليوم. وينتقمون ممن كانوا "البيئة الحاضنة للمقاومة" الفلسطينية، قبل أن يصدر الأمر بأن تكون المقاومة إيرانية – سورية فقط.
السيّد محمد حسن الأمين أيضا، الذي انتقد مواقف "حزب الله" من الثورة السورية، شنّ فايسبوكيو "حزب الله" حملة عليه مؤخرا وعيّروا لأنّه كان "فتحاويا"! فهل هم يتهمونه بفتحاوية السبعينات والثمانينات، بأفكار "فتح" 2013؟ أي هل يقولون إنّه وقّع اتفاق أوسلو فقط لأنّه وقف إلى جانب أبو عمّار حين كان يقاتل إسرائيل؟
واستطرادا وبالقياس نفسه: هل من ناصر "حزب الله" في العام 1996 وفي العام 2006 يمكن أن يُحاسَب بعد عشرين عاما على ما اقترفه عملاء السي آي أيه في "حزب الله"؟ أو على "الكبتاغون" و"الأدوية الفاسدة" و"الأبقار المريضة" و و و … ؟؟
الفتحاوية ليست تهمة. كات حينها تعني مساندة الثورة الفلسطينية وليس التعصّب لرجل أو تنظيم. والفلسطينيون، في غزّة تحديدا اليوم، قالوا إنّ "فتح" ما تزال تمثّلهم. عشرات الآلاف منهم، تحت حكم "حماس"، ما زالوا فتحاويين. فلا يزايدنّ أحد على الملك.
الفتحاوية ليست تهمة، وآن الأوان لإقفال هذا الباب والتوقف عن استعمال الكلمة كما لو أنّها شتيمة. أبو عمّار، حين كان يقف إلى جانبه جدّي وأجداد كثيرين ممن هم في "حزب الله" اليوم، كان غيفارا الكوكب. كان قبلة الثوار والأحرار في أنحاء الكوكب كلّه. كان مزيجا من جمال عبد الناصر وأرنستو تشي غيفارا.
العقل نفسه ينتقد "حماس" اليوم، بما هي "مقاومة سابقة" لأنّها خرجت عن طوع الراعي الإقليمي للمقاومة "الرسمية"، المرضي عنها إقليميا. غدا تصير "الحمساوية" تهمة.
واليوم: الفتحاوية ليست تهمة، وحين كان جدّي فتحاويا، من يعيّرونه اليوم كانوا مع إسرائيل، وكثيرون منهم رشّوا الأرز على الدبابات الإسرائيلية يوم "خلّصتهم" من "فتح".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق