السفيرمقالات

المستقبل ماضٍ أبعد من الماضي

بينما كان طلاب "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، يتناقشون في كيفية مساندة الشعب الفلسطيني، من خلال العصي والسكاكين، في المعركة التي جمعتهم وكان ساحتها الصرح التربوي الأكاديمي الذي يخرج طلاب العلوم السياسية والحقوق (!!). كان طلاب "التيار الوطني الحر" و"الوطنيين الأحرار" يوصلون رسالة إلى "الغريب" مفادها أنّ هذه الأرض لبنانية وسوقها لبنانية والبائعين فيها يجب أن يكونوا لبنانيين. وذلك من خلال التحرك الذي قام به طلاب كلية الهندسة (!!) الفرع الثاني، حيث قاموا ببيع الكعك والفول والترمس والبرازق لـ"تشجيع البائع اللبناني".
الفضيحة الأولى كانت ترسم معالم نفسها في المنطقة التي كانت تسمى ابان الحرب الأهلية: "الغربية". أما الفضيحة الثانية فكان ترتسم في "الشرقية". البلد الذي لا يخفى تقسيمه على أحد، بشقيه الشرقي والغربي، كان مهموكا بحساباته الضيقة وبمعاركه وحروبه السخيفة، وشاتيلا تنكشف وتروّع العالم بأسره. لكن لبنان كان خارج الصورة، وشبابه: قسم منهم يريد تثبيت سيطرته المليشياوية على صرح أكاديمي (!) وقسم آخر يريد أن يطرد السوريين (شرايي وبياعين..).
يحكي أنّ رجلاً أضاع قطعة نقود على الرّصيف، وكان ثملاً، فراح يفتش عنها على الرصيف المواجه، ولما سئل لماذا ذلك أجاب بأنه يبحث تحت الضوء.
وكذلك يفعل طلاب الهندسة، حين يبحثون عن الحلول حيث الضوء، لا حيث المشكلة. وكذلك يفعل طلاب الحقوق -1 حين يفرغون أحقادهم المتوارثة وطرائقهم البالية في التفكير والتحليل حين يبحثون عن السيطرة والقوة حيث يتوفر لهم ذلك لا حيث يجب أن يوفروا ذلك.
هكذا يبدو جلياً أنّ رهان لبنان على مستقبله، الذي هو رهانه على الطلاب والشباب، هو رهان خاسر. إذ أنّ التنظيمات البالية، بطرائق التفير والتحليل – إذا كان هناك من تفكير وتحليل – البالية نفسها، ما زالت تسيطر على فروع الجامعة "الوطنية"، أي ما زالت تسيطر على عقول الطلاب، وبالتالي ما زال منطقها البالي ذاته يسيطر على جيل ما بعد الحرب وما بعد الطائف.
الشباب لم يفهموا السلم الأهلي الغامض وها هم يربون أحقادهم وأزمانهم ويعالجونها بالطرق المهترئة ذاتها وبالمنطق المخلّع نفسه، وها هم يحضّرون لحربهم هم، لأنهم ورثوا أسباب الحرب لا نتائجها. لذا، يبدو أنه من الصعب ألا ننتظر المعركة القادمة في الحقوق -1، وسوق الخضار في الهندسة – 2، والحرب الأهلية في لبنان – 3.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق