مختارمقالات

الجثة الأميركية المبكية.. والجثة العربية التافهة

3 قتلى أميركيين أبكوا العديد من الزملاء. 150 قتيلا في اليوم نفسه، بين العراق وسوريا وإيران لم يبكوا أحدا منهم. كثيرون شيّروا صورة فتاة أميركية عمرها 8 سنوات أصابها تفجير بوسطن. لكنّ أحدا منهم لم يشيّر مرّة صورة قتيل سوري أو عراقي أو إيراني أو فلسطيني أو لبنانيّ… شيء مقرف فعلا.

أزعجني، لا بل آلمني، بل أكثر: قرّفني، بعض الزملاء والناشطين، في تبكبهم على صورة الفتاة الأميركية ذات الثماني سنوات، التي أصيبت في ماراتون بوسطن قبل أيام. شعرت بالقرف من دموع إلكترونية مسيئة إلى كلّ ما هو شرقي، عربيا كان أم غير هربي، مسلما أو مسيحيا أو كرديا أو أرمنيا…
لماذا دائما الضحية الأميركية لديها إسم ووجه وتعاطف دولي؟ فيما الضحية الشرقية، والعربية تحديدا، لا تتجاوز كونها رقما فقط؟
في اليوم نفسه قتلت التفجيرات 50 عراقيا وجرحت 300 آخرين.
في اليوم نفسه سقط أكثر من 30 قتيلا في سوريا ليرتفع عدد القتلى منذ بداية الثورة إلى نحو 100 ألف ومعهم نحو 200 ألف جريح ونحو 100 ألف مفقود، بين مخطوف ومعتقل.
في اليوم نفسه أيضا قتل أكثر من 50 مواطنا إيرانيا في زلزال ضرب جنوب شرق البلاد.
في العراق، في سوريا، وفي إيران: سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين، قتلى، لكنهم بلا أسماء وبلا وجوه.
ربما كان آخر قتيل عربي يعرف العالم إسمه هو محمد الدرّة. منذ محمد الدرّة قتلانا بلا أسماء. حتى في حرب تموز لا يتذكر العالم إسم أحد من الضحايا، ولا وجهه. فقط صورة مأخوذة من الجوّ لوسط الضاحية مدمّرا كما في الأفلام الهوليوودية.
في ضاحية بيروت الجنوبية يجب أن يسقط 300 مبنى كي تكون الصورة مناسبة لجرائد الغرب. في العراق يجب أن يتجاوز عدد القتلى الـ500 يوميا كي ينتبه العالم. في سوريا يجب أن نكدّس 50 طفلا مقطّعين كي نكون جديرين بالخبر. وفي إيران إذا وصلت طائرة مساعدات أميركية إلى ضحايا الزلزال، فهذا خبر، لكن القتلى الخمسين ليسوا خبرا على الإطلاق.
كم نحن رخيصون في الجهة السفى من كوكب الأرض. نحن سكان الجهة الجنوبية، المتقاتلية دوما، والسافكين دماء بعضنا البعض، أجساد أحبابنا وأطفالنا بلا قيمة، حتّى في نظر من يعتبرون أنفسهم، ونعتبرهم نحن، نخبا فكرية أو ثقافية.
كثيرون من هؤلاء "النخبة" شيّروا (من فعل share) على الفايسبوك والتويتر صورة الفتاة الأميركية. بحثت في بروفايلاتهم (profile) بحثا عن وجه سوري أو عراقي أو إيراني أو فلسطيني أو لبناني أو أردني، لم أجد. دموعهم الإلكترونية لا تنزل إلا على قدم أميركية مبتورة أو حتّى على قطّة كندية أو كلب فرنسي…
لقائل القول إنّ يوميات قتلنا باتت عادية، وأجيب: نحن الذين نجعلها عادية. في الغرب كان تلفزيون CNN يزرع مراسليه في شوارع ماساتشوستس كالفطر يوم الجمعة. في كلّ زاروب مراسل، وتتنقل الكاميرا بينهم كما لو كلّ واحد في كوكب. يريدون القول إنّ الولايات المتحدة كلّها تطارد الشاب الشيشياني الهارب. لكن في بلادنا آلاف القتلة يحكموننا. أنظروا إلى الشاشات، كلما ارتفع عدد المجازر في يد أحد حكامنا، إرتفعت رتبته. ننقل مؤتمرات الكذب بدل ملاحقة المجرمين. في سوريا يتسابق الجزّارون، من المعارضة والموالاة. يريدون السلاح ليقتلوا أكثر. في العراق أيضا، وفي لبنان وفي إيران، وفي كلّ مكان شرقيّ جنوب الكوكب.
لهذا لا يحترم الغرب قتلانا. لا يحترم أحزاننا. لكن لماذا "النخب" تجاري الغرب هذا.
زملائي الأعزاء، مرة أخرى: قرّفتوني حياتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق