مختارمقالات

ليته احترق العلم وبقيتَ أنتَ

لم نكن أصدقاء حقّا. لكنّني أعرف حرقة دموع الأمّ على إبنها العشريني. أعرف أصدقاءك، أخيك. أكلنا في صحن واحد. نمنا في غرفة واحدة. والأرجح أنّنا حلمنا الأحلام نفسه. لا أعرفك، لكن أعرف أنّه لا يوجد علم في العالم يستحقّ أن نموت من أجله.

لم نكن أصدقاء حقّا. لكنّني أعرف حرقة دموع الأمّ على إبنها العشريني. كلّ ثكلى دموعها أغلى من الأوطان. لا يصدّقنّ أحد أنّه في العالم يوجد أمّ تفرح إذا قالوا لها إنّ ولدها "شهيد".
كَذَبَتِ الأغنية، وخَسِئَتِ الأسطورة. ليست أجمل الأمّهات التي انتظرت طفلها وعاد مستشهِدا. ولا يوجد أمّ تبكي دمعتين ووردة. الأمّهات تبكين دماءهنّ وليس ورودا.
https://www.youtube.com/watch?v=chKDln4Tu60
جدّتي أصيبت بالضغط يوم مات عمّي. وجدّي أصيب بالسكّري في اليوم نفسه.
أعرف أصدقاءك. أعرف أخيك. الأرجح أنّنا حلمنا الأحلام نفسها. أن نعيش أحرارا. ألا نسأل أحدا لقمة العيش. أن نمشي في بلادنا بلا منّة من أحد.
كنت تريد أن تزرع علم حزبكَ على عامود الكهرباء. ربما ظننت أنّ رفرفة العلم في الأعلى جزء من أحلامك تلك. كنت مؤمنا بأنّ التيار الكهربائي لن يعود في تلك الدقيقة. لكنّه عاد. عاد وضربك فوقعتَ على رأسِكَ. أسبوعان وأنت تنازع، واليوم رحلت. أسألكَ اليوم: هل كان العلم يستحقّ تلك المغامرة؟
المرّة الأولى التي عرفتُ أنّ ثمة من قد يَقتل من أجل علم كانت في العام 2005. يومها قتل شاب زميله في منطقة المريجة، بضاحية بيروت الجنوبية، بعد شجار على ملكية "عامود" كهرباء، بسبب خلاف حول من يحقّ له وضع علم حزبه عليه.
المرّة الثانية كانت في بلدة جنوبية. حصل تبادل لإطلاق الصواريخ على خلفية تعليق الأعلام، بين أبناء القرية الواحدة. واليوم غادرتَ أنتَ للسبب نفسه: تعليق العَلَم.
ذهبتَ وتركتَ عمركَ ودموع محبّيك. ذهبتَ قبل أن تتمّ الزواج الذي حلمتَ به. وأسألكَ مرّة أخرى: هل كان وضع علم حزبكَ يستحقّ أن تخاطر بحياتكَ من أجله؟
لم نكن أصدقاء. ربما نختلف في السياسة أيضا، لكن ما لا يختلف عليه اثنان أنّه لا يوجد علم في العالم يستحقّ أن نموت من أجل تعليقه على عامود كهرباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق