أساس ميديامقالات

إلى الصديق حسين الوجه: "الخوارج" صنعوا "سعد الحريري

"خوارج"، هكذا وصف الزميل والصديق العزيز حسين الوجه، مستشار الرئيس سعد الحريري الإعلامي، الدكتور رضوان السيّد، ردّا على مقالته بعنوان "قراءة تاريخية لـ"14 آذار": خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية". مقالة من جزأين، من 4 آلاف كلمة تقريباً، حملت قراءة تاريخية، مليئة بالحجج والبراهين والأدلّة والاستنتاجات، قد نختلف مع بعضها، وقد نتفق مع بعضها. لكنّها في النهاية مقالة طويلة تصلح أن تكون فاتحةً لنقاش على مستوى وطنيّ، حول مسألة تبدو الأكثر راهنية اليوم، لولا فيروس الكورونا.

"خوارج"؟

لنعد قليلاً إلى الوراء.

لقد "صُنِعَ" سعد الحريري الذي نعرفه وقبله والده الشهيد رفيق الحريري من خلطة "خوارج" لم يسبق لرئيس تكتّل نيابي أو تيار سياسي أن حُظيَ بها في تاريخ لبنان.

وقد قامت صورة سعد الحريري، على "تجميع" من تعتبرهم قيادات الطوائف الأخرى "خوارج"، ليصنعوا "الكتلة النيابية الأكبر" في مرحلة صعود زعامة سعد الحريري اللبنانية، وتحديداً بعد انتخابات 2009 النيابية.

كتلة الحريري كانت تضمّ 3 نواب شيعة، هم أمين وهبة وعقاب صقر وغازي يوسف، ونائبين علويين هما بدر ونّوس وخضر حبيب، و10 نواب مسيحيين هم فريد مكاري، عاطف مجدلاني، نبيل دو فريج، هادي حبيش، نقولا غصن، جان أوغاسابيان، باسم الشاب، سيرج طور سركيسيان، سيبوه كلباكيان، وروبير فاضل، إلى جانب النواب السنّة الـ21. وكانت تتوسّع لائحة النواب المسيحيين في "تكتّل لبنان أوّلا"، لتضمّ نضال طعمة والراحل الكبير روبير غانم ونايلة تويني وميشال فرعون…

من أبرز هؤلاء "الخوارج" النائب الأرمني طورسركيسيان، الذي تبيّن في انتخابات 2018 أنّه يمثّل ما يقارب الأربعين صوتاً في الأشرفية فقط. ومنهم النواب الشيعة والعلويين الذين "تساقطوا" في انتخابات 2018، ومثلهم فعل معظم النواب المسيحيين في كتلة المستقبل، في انتخابات "الصوت التفضيلي". ولعلّ أبرز العائدين هادي حبيش، الذي أثبت في الانتخابات البلدية في بلدته القبيات أنّه "نائب حقيقي".

من هؤلاء الخوارج مستشاراه الأساسيان، الشيعي باسم السبع والماروني غطاس خوري، ومنهم عشرات الآلاف، من كلّ الطوائف، الذين كانوا يرون في سعد الحريري صورة "الرئيس الشاب" الذي يشبههم.

لن نعود إلى أصل التسمية، "الخوارج". فوجود "خوارج" يفترض وجود "خليفة للمسلمين". فهل الرئيس سعد الحريري بات "خليفة المسلمين" في لبنان؟

كلمة "خوارج" تنبش ماضياً وجروحاً موغلة في 1400 عام من التاريخ السياسي والديني والمذهبي. وهو ما حاد عنه وتحاشاه الرئيس الحريري، وله كلّ التقدير في هذا الشأن، طوال سنوات عمله السياسي الـ15. ولا أحسب أنّه يرغب في أن يتحوّل اليوم إلى زعيم مذهبي، رغم تآكل كتلته النيابية، من 42، و34، إلى 19 وربما 18 اليوم. ولا أحسب أنّ الحريرية الوطنية تتحمّل أن يتحوّل خطابها السياسي إلى خطاب "عتيق"، وهي التي قامت على وعود الحداثة.

"تيار المستقبل"، المستقبل، نعم المستقبل، لا يجوز أن يستخدم لغة "الماضي". ولا استخدام لغة تخوينية لطالما عابها على خصومه، وخصوصا "حزب الله" وبيئته، وذلك في إعلامه وعلى لسان مسؤوليه وقياداته. فهذه اللغة لا تليق بـ"المستقبل".

أعرف الزميل حسين الوجه منذ العام 2001. عشرون عاماً عرفته محبّاً، ودوداً، كريماً، والأهمّ: هادئاً. نادراً ما ينفعل. من ميزاته الشخصية الكثيرة، أنّه قليل التسرّع، بطيء الغضب، وكثير التروّي. وخلال إدارته تلفزيون "المستقبل" لسنواتٍ طويلة، حيث عملتُ تحت إدارته وجناحه، كان دوماً يفضّل التأكّد من الخبر، على حساب الفوز بـ"سكوب". كان الخبر يتأخّر على "المستقبل"، لكن حين يُنشر فبالتأكيد سيكون خبراً صحيحاً لا لبس فيه. وهو لطالما رفض الانجرار إلى سباق الأخبار العاجلة، التي غامرت بها شاشات منافسة، وكانت دوماً تقع في أفخاخها.

ما فاجأني في ردّه السريع على "مولانا" الدكتور رضوان السيّد (وهو لقب لطالما استعمله حسين نفسه، أمام كثيرين) أنّه هو نفسه قد لا يوافق عليه. فأن يصفه بأنّه من "الخوارج" فيه إساءة كبيرة، ليس فقط إلى الدكتور السيّد، ورتبته العلمية والأكاديمية، وموقعه في ضمائر أهل 14 آذار السابقة، وفي أوساط البيئة التي ينطق الزميل حسين باسمها حالياً.

فإلى جانب أنّ السيّد هو أستاذ في الجامعة اللبنانية وأستاذ زائر ومحاضر في كبرى الجامعات العالمية، وله عشرات المؤلّفات الفكرية والثقافية والدينية، فإنّ السيّد كان أحد المستشارين الأساسيين للرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد العام 2000.

في الشكل والمضمون، توقّعت أنّ تياراً كبيراً بحجم "تيار المستقبل"، كان ذات يوم يجمع أهمّ الأقلام وأكبر العقول الفكرية والاقتصادية والسياسية، وكان عابراً للطوائف والمناطق والأجيال، ان يجد كاتباً واحداً، ولو واحداً، يكتب مقالاً يناقش قامةً بحجم رضوان السيّد، ومقالاً بسعة مقاله.

ردّ الزميل الوجه بالقول إنّ "السُنّة في لبنان وقيادتهم السياسية لم يخرجوا من المعادلة الوطنية. هذه أكذوبة يروّج لها فريق من الخوارج الذين يراهنون على إسقاط المعادلة الوطنية على أيدي أهل السُنّة وجرّ البلاد إلى فوضى عارمة تأكل الأخضر واليابس".

رضوان السيّد، بشهادة أهل "المستقبل"، واحد من "أعمدة" المعسكر السيادي في لبنان، بشخصياته "العابرة للطوائف"، من السيّد إلى غيره من المسيحيين والشيعة والسنّة، إرتفعت نسب المذهبية في عقولهم وأقلامهم، أو انخفضت حدّ الامّحاء، كما هي حال كثيرين. لكنّه بالطبع ليس من "الخوارج". والزميل حسين يعرف تمام المعرفة أنّ الطوائف في لبنان لم تعد مطوّبة لأحد، منذ سنوات طويلة، وأنّ سلاح التخوين، أوّل ما يبطش، يبطش بحامليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق