مختارمقالات

النسبية أو الحرب الأهلية

رغم أنّها حكومة تشكّلت بأمر عمليات سوري – إيراني، وبإشراف مباشر من "حزب الله" في لبنان. ورغم أنّها لم تقدّم أيّ إنجاز عدا إعادتنا إلى العصر الحجري بلا مياه ولا كهرباء ولا إنترنت ولا إتصالات. إلا أنّ تاريخ لبنان سيتذكّر دوما أنّ حلم النسبية إقترب، للمرة الأولى، وربّما بات أكثر قربا، من التحقيق في عهد هذه الحكومة.

في لبنان لا إمكانية لربيع من دون انتخابات عادلة. لا يمكن طرف أن يلغي طرفا. الإنتخابات وحدها قادرة على "تقزيم" أطراف وتكبير أخرى، كي يستعيد الجسم عافيته. ولا سبيل للخروج من "أزمة الحكم" المخضرمة، و"أزمة النظام" المتأصّلة، إلا بالنسبية في الإنتخابات النيابية.

الدوائر قد تكون "مفصّلة" بعض الشيء في قراءة أوّلية. فميشال عون حصل على فوزين، الأوّل هو دمج المتن وبعبدا، ليحصل على أصوات من "حزب الله" تصبّ في المتن هذه المرّة، والثاني هو إعادة دمج جبيل وكسروان للغاية نفسها.

كذلك سيكون وليد جنبلاط مرتاحا مع دمج الشوف وعاليه، ليضمن محدلة صغيرة هناك. وسيكون "حزب الله" مرتاحا لحلفائه في البقاع حيث يمكن أن يخترقوا لوائح 14 آذار. وفي زحلة ستكون المعركة شرسة وسيستعيد نقولا فتّوش وإيلي سكاف وزنيهما.

الخاسر الأكبر سيكون "تيار المستقبل"، الذي سيخوض ما يشبه المعركة الحقيقية في بيروت، ولن يضمن مقاعد مريحة في طرابلس، وسيخسر ربع البقاع على الأقلّ، ونصف زحلة في أفضل الأحوال. لكنّه قد يعوّض بمقعد في حاصبيا حيث يمون على نحو 20 ألف صوت في العرقوب، وبحلفاء في الجنوب وبعلبك قد يخترقون لوائح "حزب الله" وحركة "أمل". كذلك قد يستعيد جنبلاط مقعدا درزيا من حاصبيا بأصوات حليفة في الخزّان الدرزي الحاصباني.

ثنائية الحزب والحركة ستخسر الكثير أيضا. الصوت الجنوبي المعارض سيظهر إلى العلن أخيرا، وسيكون من الصعب خنق المعترضين هذه المرّة. كما أنّ إمكانية الإختراق ستعيد النطق إلى أقليّة صامتة في دوائر الجنوب المُحكَم القبضة. كذلك في البقاع سيكون في إمكان العشائر والعائلات، والأحزاب المستقلّة، الحصول على مقاعد بلا منّة من أحد.

قد تكون الدوائر "مفصّلة" كما قال الرئيس سعد الحريري، لكنّ انتخابات على قاعدة النسبية، في أيّ شكل من الأشكال، ستساهم في تعويم طبقة سياسية جديدة: عائلات وأحزاب كانت مهمّشة وشخصيات مستقلّة معارضة لزعماء الطوائف.

للمرّة الأولى قد يشهد البرلمان اللبناني وصول مستقلّين لا تدعمهم دول أجنبية، عربية كانت أم غربية. ثمّة فوضى جميلة ومبدعة وخلاقة ستساهم الإنتخابات النسبية في تظهيرها. فوضى ستجعل أمراء الحرب والطوائف أرقاما في لوحة كبيرة، وستجعل شخصيات لا نعرفها اليوم هي بيضة القبّان في أكثر من مكان، لا طوائف أو مممثليها فقط.

إذا كانت ديكتاتورية عائلة أو شخص قد سبّبت كلّ تلك الفوضى في الدول العربية، وكلّ تلك الدماء في سوريا وليبيا، فإنّ ديكتاتورية "قرطة" زعماء لبنانيين ستسبّب المزيد من الدماء، أكثر مما فعلت طوال الحروب الأهلية اللبنانية في القرن الفائت.

النسبية هي خشبة خلاص اللبنانيين من حرب طاحنة تتهدّدهم. النسبية ستجعل الجميع ممّلين في السلطة، وستفكّك الغيتوات الطائفية الوهمية، وستجعل السياسة هي الأساس بدلا من الطائفية. الرأي سيصير له قيمة. لن يحتكر رجل دين مجموعات سياسية بعد اليوم، سيتحدّث باسم بعضها في أفضل أحواله.

النسبية هي الخلاص من النار المذهبية التي تعصف بلبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق