مختارمقالات

العمالة والمقاومة: نصران وهزيمتان

في الحروب لا تسقط جيوش فقط، بل تسقط، أولا، أفكار، وتنتصر أفكار أخرى. في لبنان هزمنا إسرائيل في 2000 و2006. لكنّ التسامح مع العملاء هزيمة مستمرّة، ودمج "المقاومة" بـ"حزب الله" في القصير سيهزم فكرة "المقاومة".

 

في الحروب لا تسقط جيوش فقط، بل تسقط، أولا، أفكار. في الحرب العالمية الثانية سقطت فكرة العرق الأعلى. إنتصر "التنوّع"، الأوروبي، والإنساني. في الحرب العالمية الأولى سقطت "الإمبراطوريات". إنتصرت الدولة – الأمة. في حرب فييتنام سقط "الإستعمار" في آخر صوره. إنتصر "الدم الفيتنامي" على "السيف الأميركي". في كوبا إنتصر العناد وانهزم الإستكبار على إرادة الشعوب. في حرب 1948 إنتصر العلم الإسرائيلي على الجهل العربي. في عدوان 1956 الثلاثي على مصر إنتصرت "الصحوة العربية" على ذلّ 48 وعجرفة إسرائيل. في حرب 1973 ثأرت اللاءات الثلاثة، من رافضيها، لتعود وتنهزم في كامب دايفيد بلا حرب. في العام 2000 إنقلب ميزان الشرق الأوسط: إسرائيل دولة تراجعية وليس توسعيّة. في 2006 إنتصرت الإرادة والعقيدة على التفوّق التكنولوجي النوعي. وفي الحرب السورية ننتظر جثث المهزومين على ضفّة النهر التاريخي.

رغم هزائم الجيش الأميركي لم يهدأ. رغم هزائم إسرائيلية من هنا وهناك، ظلّ الجيش الصهيوني عدوانيا. رغم هزائم العرب، ظلّوا ينتظرون أبطالا من هناك وهنالك، وإن كانوا أحيانا غير عرب، فرسا، كما في فلسطين غزّة 2008، أو أميركيين، كما في بغداد 2003.

الأفكار تسقط، بل وتبقى الجيوش وتغيّر أفكارها. من "تحرير الكويت" في عراق 1990 إلى "الديمقراطية" في عراق 2003، إلى "زرع ورود الربيع" بعد 2010.

مقدّمة طويلة قليلا، لكن بما يعنينا في لبنان، فإنّه رغم النصر الكبير في 2000، والنصر الجزئي في 2006، حين انتصرنا على الذلّ العربي أمام إسرائيل، وعلى خوف البعض منها، وليس عليها تماما، رغم هذين النصرين، إلا أنّنا خسرنا مرّتين أيضا.

خسرنا في العام 2000، حين تسامح حزب الله والدولة اللبنانية مع العملاء. كان يجب تعليق مشانقهم في ساحات لبنان كلّها. واستمرّ نهج "التسامح" إلى أن توّجه القضاء اللبنانية، ومن خلفه صمت حزب الله وتواطؤه، مع العميد العميل فايز كرم. ومنذ 2000 قرّب حزب الله العملاء وعائلاتهم منه، وخاصم مقاومين حقيقيين فقط لأنّهم لم ينخرطوا في جسمه الحزبي والتعبوي.

خسرنا الكثير حين خرج العميل فايز كرم من السجن بعد أقلّ من سنتين. خسرنا الخوف الكبير من كلمة "عميل". كانت الكلمة تهزّ لبنان من أقصاه إلى أقصاه. حين اتهم بها، زورا، النائب نهاد المشنوق، ترك لبنان طويلا. اليوم تقال الكلمة خمسين مرّة في اليوم. أفرغها مدّعو المقاومة، في الإعلام والسياسة، من مضمونها. باتت ممجوجة ولا تخيف أحدا. وهذه هزيمة تاريخية. عمرها يقارب القرن، صرفناها في أقلّ من عامين عونيين، كرمى لعيون الحليف ميشال عون.

وها نحن نخسر مرّة جديدة في الحرب السورية. لحساب حليف آخر. في سوريا قال النائب نوّار الساحلي إنّ "المقاومة" هي التي تقاتل. وكذلك فعل، بتصريح أقلّ، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. ليس "مدافعون" عن المقامات الدينية هم من يقاتلون، ولا عناصر من "حزب الله" لأسباب عقائدية، بل "المقاومة". وغدا، بدلا من هجوم الكتّاب المعادين للحزب عليه، أو على قراره الإنخراط في الحرب السورية، سيهاجمون "المقاومة" نفسها. تلك التي احتجنا أكثر من 60 عاما كي تصير "فوق النقاش". كي يصير النقاش حول "احتكارها" أو "تضييع بوصلتها" أو "نقل بندقيتها" أو حول أنّ قرارها "ليس لبنانيا".

اليوم باتت "المقاومة" طرفا صغيرا في حروب شوارع مذهبية دفاعا عن نظام أو مقام. يريد حزب الله ومسؤولوه، عن قصد أو عن سوء تقدير، توريط تلك الفكرة العظيمة في وحول تافهة. وهذه خسارة تاريخية أخرى.

في الحروب لا تسقط جيوش فقط، بل تسقط، أولا، وربما أخيرا، الأفكار والقيم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق